رئيس الوزراء الأرميني يتّهم رجال دين بمحاولة الانقلاب على السلطة

رئيس الوزراء الأرميني يتّهم رجال دين بمحاولة الانقلاب على السلطة
رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان

أعلن رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، اليوم الأربعاء، أن أجهزة الأمن الأرمينية أحبطت محاولة انقلاب مزعومة تورّط فيها رجال دين من الكنيسة الرسولية الأرمنية، في أحدث حلقة من التوترات السياسية والدينية المتفاقمة منذ هزيمة أرمينيا في حرب ناغورني قره باغ عام 2020.

واتهم باشينيان، عبر بيان نشره على قناته في تطبيق "تلغرام"، ما وصفهم بـ"رجال الدين المجرمين" بمحاولة تنفيذ مخطط لزعزعة الاستقرار في البلاد والاستيلاء على الحكم بوسائل غير دستورية، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس".

وقال باشينيان: "أحبطت قوات الأمن مخططًا خبيثًا لرجال دين مجرمين يهدف إلى زعزعة الاستقرار في جمهورية أرمينيا والاستيلاء على السلطة"، مؤكدًا أن الدولة لن تتهاون مع أي محاولات تهدد النظام الدستوري.

وأرفق رئيس الوزراء بيانه بمقتطف من بيان للجنة التحقيق الأرمينية، اتهم فيه رئيس أساقفة منطقة تافوش باغرات غالستانيان بالسعي منذ نوفمبر 2024 إلى "تغيير السلطة بوسائل غير قانونية"، بما في ذلك تنظيم احتجاجات كبرى، والضلوع في تحضيرات لأعمال عنف وترهيب.

حملات دهم واعتقالات

ذكرت لجنة التحقيق أن قوات الأمن بدأت بتنفيذ عمليات دهم وتفتيش في منازل رئيس الأساقفة غالستانيان ونحو 30 من معاونيه. 

ونشرت وسائل إعلام محلية مشاهد مصورة تظهر عناصر أمن ملثمين وهم يقتادون رجل الدين المعروف من منزله إلى سيارة أمنية، بينما كان عدد من أنصاره يهتفون خارج المنزل "نيكول خائن".

وفي تسجيل التقطه الصحفيون، وجّه غالستانيان كلمات غاضبة لرئيس الوزراء قائلاً: "أيها الخبيث، اسمع جيدًا... لم يتبقَّ لك سوى القليل من الوقت، نحن قادمون".

ووصف النائب البرلماني غارنيك دانياليان، المقرّب من الأسقف المعتقل، ما حدث بأنه "عمل قمعي لنظام دكتاتوري"، مؤكدًا أن التهم "مفبركة لتصفية المعارضة".

وأكد حزب "داشناكتسوتيون" القومي المعارض أن منازل بعض أعضائه تعرّضت للمداهمة، واعتُقل عدد من الناشطين دون مذكرات قانونية.

قره باغ والكنيسة

يعود التوتر بين رئيس الحكومة وقيادة الكنيسة الرسولية الأرمنية إلى عام 2020، عندما دعا بطريرك الكنيسة كاريكين الثاني صراحة إلى استقالة باشينيان عقب هزيمة أرمينيا عسكريًا أمام أذربيجان في حرب ناغورني قره باغ، التي انتهت بفقدان السيطرة على الإقليم المتنازع عليه، والذي طالما اعتُبر رمزًا قوميًا ودينيًا لأرمن الشتات.

وتفاقمت المواجهة في الأشهر الأخيرة، خاصة بعد أن دعا باشينيان علنًا إلى "تحرير الكنيسة من رجال الدين الفاسدين"، متهمًا البطريرك بامتلاك طفل، ما يتنافى مع قواعد الرهبنة، وهو تصريح أحدث صدمة واستنكارًا واسعًا في الأوساط الدينية.

وفي مطلع يونيو الجاري، أطلق باشينيان حملة لتشكيل "مجموعة تنسيق وطنية" مهمتها تنظيم انتخاب زعيم ديني جديد، في خطوة فُهمت على أنها محاولة لتفكيك النفوذ التاريخي للكنيسة، التي تعتبر مؤسسة محورية في الهوية الوطنية الأرمنية منذ إعلان أرمينيا دولة مسيحية في القرن الرابع.

رجل دين يتحوّل إلى مُعارض

برز رئيس الأساقفة باغرات غالستانيان في المشهد السياسي مطلع عام 2024، بعد أن قاد احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة بعزل باشينيان، متهمًا إياه بـ"التفريط بالسيادة الوطنية" لصالح أذربيجان.

وفي خطوة غير مسبوقة، تنازل غالستانيان مؤقتًا عن موقعه الكنسي لترشيح نفسه لرئاسة الحكومة، لكن ترشحه تعرقل قانونيًا بسبب امتلاكه الجنسية الكندية إلى جانب الأرمنية، وهو ما يخالف شروط الترشح.

رغم ذلك، استمر رجل الدين في قيادة ما يُعرف بـ"حركة الكفاح المقدس"، التي تتألف من رجال دين وشخصيات قومية معارضة، داعية إلى "استعادة الكرامة الوطنية"، لكنها لم تتمكن من إزاحة باشينيان، الذي لا يزال يحظى بدعم برلماني قوي وسط تشرذم المعارضة السياسية.

ردود فعل غاضبة 

جاءت هذه التطورات الأمنية والسياسية في وقت أجرى فيه باشينيان زيارة تاريخية إلى تركيا، في محاولة لطي صفحة العداء التاريخي بين البلدين، وهي خطوة أثارت استياءً واسعًا في الداخل، لا سيما لدى الأحزاب القومية التي ترى أن "المصالحة مع أنقرة" تعني التخلي عن المطالبة بالاعتراف بالإبادة الأرمنية.

وفي خضم هذا المشهد، اتهمت منظمات حقوقية محلية الشرطة بشن حملة اعتقالات تعسفية طالت عشرات النشطاء المؤيدين للكنيسة، معتبرة أن الحكومة تستخدم الملف الأمني لـ"تكميم الأفواه وقمع المعارضين".

يُذكر أن نيكول باشينيان، وهو صحفي معارض سابق، صعد إلى رئاسة الحكومة عام 2018 بعد قيادته حركة احتجاجية سلمية أطاحت بالنظام السابق، ووُصفت حينها بـ"ثورة الحب والتسامح".

لكن رصيد باشينيان الشعبي تراجع بشكل كبير بعد خسارة قره باغ، ما جعله هدفًا لحملة سياسية وإعلامية تشكك بشرعيته وبموقفه من القضايا القومية والدينية، وسط أزمة ثقة متصاعدة بينه وبين المؤسسات التقليدية في الدولة الأرمنية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية