تقرير أممي: الدول الجزرية المعرضة لخطر الاختفاء يمكنها الاستمرار ككيانات ذات سيادة
تقرير أممي: الدول الجزرية المعرضة لخطر الاختفاء يمكنها الاستمرار ككيانات ذات سيادة
أكد تقرير صادر عن لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة أن الدول الجزرية المعرضة لخطر الاختفاء بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر، يمكنها قانونيًا الاستمرار ككيانات ذات سيادة، حتى في حال غمر أراضيها بالكامل.
وأفادت صحيفة "الغارديان" البريطانية، السبت، بأن اللجنة استعرضت في تقرير طال انتظاره، الإطار القانوني الدولي الحالي، وخلصت إلى أن القانون لا يمنع الدول الجزرية من الحفاظ على حدودها البحرية وحقوقها في الموارد البحرية والملاحة، حتى إذا تغير شكل الأرض أو اختفت بفعل التغير المناخي.
وتمنح هذه الحدود حقوقًا سياسية واقتصادية حيوية، مثل الوصول إلى مصائد الأسماك والمعادن، فضلًا عن ضمان الاعتراف الدولي المستمر بكيان الدولة.
حماية الجنسية والسيادة
وشدد الخبراء من بين أبرز التوصيات القانونية، على ضرورة تمكين الدول المتأثرة من الحفاظ على جنسيتها وسلطتها السياسية لتجنب فقدان الحقوق القانونية والإنسانية لمواطنيها. وأكدوا أن استمرار الكيانات السياسية لتلك الدول ضروري للحفاظ على السلم والاستقرار الدوليين.
وقالت بينيلوب ريدينغز، المحامية الدولية وعضو اللجنة، إن التقرير يعكس شعورًا عميقًا بالظلم حيال معاناة الدول الجزرية الأكثر هشاشة، والتي لم تسهم إلا بقدر ضئيل في انبعاثات الكربون.
وفي كلمته بمؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات في نيس، عبّر رئيس وزراء توفالو، فيليتي تيو، عن عزم بلاده على الاستمرار في مقاومة اختفاء أراضيها، مشيرًا إلى انتهاء المرحلة الأولى من مشروع التكيّف الساحلي الذي تضمن تشييد حواجز خرسانية واستصلاح أراضٍ جديدة، بكلفة قاربت 40 مليون دولار.
وقال تيو: "نحتاج إلى تمويل مناخي مرن وسريع، يمنحنا مزيدًا من الوقت لنعيش على الأرض التي نؤمن أن الله منحنا إياها".
وقد ارتفع منسوب البحر في توفالو فعليًا بمعدل 4.8 ملم سنويًا، ما يجعل بقاء الدولة تحديًا متسارعًا.
دعم قانوني وسياسي
كانت أستراليا أول دولة تعترف بثبات حدود توفالو البحرية رغم التغيرات المناخية، ووقعت معها معاهدة ملزمة قانونيًا عام 2023، تشمل دعمًا لوجستيًا وتأشيرات هجرة خاصة. لاتفيا انضمت لاحقًا بإعلان مشابه.
من جهته، قال برايس روديك، أستاذ القانون البيئي الدولي في جامعة نيويورك، إن لجنة القانون الدولي كانت متجاوبة بشكل غير مسبوق مع أصوات الدول الصغيرة، مؤكدًا أن هذه الدول أصبحت "في طليعة التقدّم القانوني في قضايا البيئة وتغير المناخ".
ودفع تحالف جزر المحيط الهادئ بطلب إلى محكمة العدل الدولية لإصدار رأي استشاري تاريخي بشأن تأثير تغير المناخ على بقاء الدول الجزرية، من المرتقب صدور الرأي خلال الأشهر المقبلة، ما قد يشكل سابقة قانونية دولية في ترسيخ حق الدول بالبقاء رغم الكوارث البيئية.
أثر تغير المناخ
يشكّل تغير المناخ تهديدًا وجوديًا مباشرًا للدول الجزرية الصغيرة، خاصة في المحيطين الهادئ والهندي، نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر الناجم عن الاحترار العالمي وذوبان الجليد القطبي.
وتشير تقديرات علمية إلى أن منسوب البحر قد يرتفع بما يصل إلى 90 سم بحلول عام 2100 في حال تحقق أسوأ السيناريوهات المناخية، ما يُعرّض العديد من الدول الجزرية لخطر الغرق الكلي أو الجزئي.
وتعاني هذه الدول، مثل توفالو، كيريباس، جزر مارشال، والمالديف، من فيضانات متكررة، وتآكل في السواحل، وتملّح موارد المياه العذبة، مما يجعل الحياة على أراضيها أكثر صعوبة، ويدفع بعضها إلى التفكير في الانتقال الجماعي أو إعادة توطين المواطنين.
مستقبل السيادة والاعتراف بالدول
في مواجهة هذا التهديد، ظهر نقاش قانوني دولي حول مستقبل السيادة والاعتراف بالدول التي قد تفقد أراضيها، وفي 2025، خلصت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة إلى أنه لا يوجد ما يمنع استمرار الدولة سياسيًا وقانونيًا حتى لو غُمرت أراضيها، مع الاحتفاظ بالحدود البحرية والحقوق السيادية.
وتحركت بعض الدول لدعم هذا التوجه؛ فقد وقّعت أستراليا ولاتفيا اتفاقيات تعترف بسيادة دول مثل توفالو رغم التغيرات الجغرافية. كما تسعى الدول الجزرية للحصول على رأي استشاري من محكمة العدل الدولية بشأن مسؤولية الدول الكبرى في الانبعاثات، وحقوق الدول المتضررة في الحفاظ على وجودها القانوني والدبلوماسي.
ويعكس هذا النقاش تحولًا كبيرًا في القانون الدولي، حيث يُعاد النظر في تعريف الدولة والسيادة في ظل أزمة المناخ العالمية، ويؤكد أهمية العدالة المناخية للدول الأقل إسهامًا في الأزمة، لكنها الأكثر تأثرًا بها.