«تجنيد الأطفال».. انتهاك لطفولة اليمن وتدمير للبلد الذي لم يعد سعيداً
«تجنيد الأطفال».. انتهاك لطفولة اليمن وتدمير للبلد الذي لم يعد سعيداً
تركت الحرب الدائرة في اليمن منذ سنوات، أوضاعًا سياسية واقتصادية واجتماعية مأساوية، أرخت بظِلالها على الوضع العام في البلاد، خاصة الأطفال، وبسبب فقر ونزاع دائر على مدار الساعة، وهجمات مستمرة على المدارس، ترك الأطفال التعليم وفصول المدارس ليقتادوا طوعًا أو كرهًا إلى المتاريس والمعارك.
اتهامات عدة تحاصر طرفي الصراع في اليمن بشأن تجنيد الأطفال والإلقاء بهم في أتون حرب لا يعلم أحد متى تنتهي.
وثقت جهات حقوقية وحتى أممية حالات متعددة لتجنيد الأطفال كان الحوثيون هم الطرف الغالب فيها بنسبة تتعدى 77%.
وفي تفاصيل جديدة كشفها تقرير صادر عن الأمم المتحدة حول اليمن، أكدت معلومات الخبراء الأمميين أن حوالي 2000 طفل يمني جندهم الحوثيون، لقوا حتفهم في ساحة القتال بين يناير 2020 ومايو 2021.
وأوضحت لجنة الخبراء أنها تلقت قائمة تضم أسماء 1406 أطفال جندهم الحوثيون لقوا حتفهم في ساحة المعركة عام 2020، وقائمة تضم 562 طفلا جندتهم الميليشيات أيضا وقتلوا في ساحة المعركة بين يناير ومايو 2021
ووفقًا للتقرير السابق فإن ميليشيا الحوثي الإرهابية تستغل المراكز الصيفية والمدارس في اليمن لتجنيد الأطفال، وذلك بعد منحهم تدريبًا فكريًّا طائفيًا مدة تزيد على الشهر، ثم يُساقون إلى محرقة الموت، في معارك محتدمة.
وتوهم الميليشيا أهاليَهم أنهم في دورات ثقافية، أو مراكزَ أمنية بعيدين عن خطوط التماس، والمواجهات المباشرة.
ويدفع بالأطفال إلى الصفوف القتالية الأولى، كما يستخدمون في توزيع المؤن والإمدادات، وجمع المعلومات، وبناء التحصينات، وحفر الخنادق، وزراعة الألغام.
"جسور بوست" تناقش حقيقة ما حدث لأطفال اليمن، الذي كان سعيدًا ذات يوم، وأصبح في عدة سنوات الأكثر بؤسًا وشقاءً، والأكثر تسرُّبًا من التعليم، والأكثر استغلالًا في عمليات التجنيد والقتال.

منظمة سياج
منظمة "سياج" اليمنية لحقوق الأطفال، تحدثت عن استقطاب الحوثيين لأكثر من نصف مليون طفل في عام 2020م، عبر 6 آلاف مخيم صيفي، أقيمت في مناطق سيطرتها، متوقعة إشراك عدد منهم في معاركها المشتعلة مع القوَّات الشرعية.
وتعتمد ميليشيا الحوثي في استقطابها لأطفال المدارس على الإغراء بالمال، وتقديم المساعدات الغذائية، ومنح الرتب العسكرية، أو التجنيد القسري بواسطة الاختطاف والتهديد، كما تستخدم المخدِّرات أيضًا في التجنيد، إذ تغرق المناطق الواقعة تحت سيطرتها بالمواد المخدرة، وتدفع الأطفال للإدمان عليه، لإجبارهم فيما بعد على الالتحاق بمعسكراتها التدريبية مقابل الحصول عليها، ثم دفعهم إلى جبَهات القتال، وبذلك تتحول الطفولة في اليمن من المدارس إلى المعارك لدى أطراف النزاع.
وبحسب مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عبدالله السعدي، فإن ميليشيا الحوثي جندت نحو 30 ألف طفل، معظمهم من مدن صنعاء، وذمار، وعمران، والمحويت، وحجة، ممن أعمارهم دون السابعة عشرة، وقد وزعوا على مناطق الصراع المختلفة، للمشاركة مباشرة في العمليات القتالية، وفي هذا مخالفة صريحة للاتفاقيَّات الدَّولية وقوانين حماية حقوق الطفل.

الحوثيون خرقوا الاتفاقات
وقال رئيس منظمة "سياج" لحقوق الطفل أحمد القرشي في تصريحات لـ"جسور بوست": "إن الاتفاقية التي عقدتها الأمم المتحدة الشهر الماضي مع الحوثيين بشأن تسريح الأطفال المجندين، إن صدقت هذه التوجهات فهي إيجابية وهدف إستراتيجي بالنسبة لنا كحماية للطفولة، ونتمنى نجاحه، لكن هناك معطيات كبيرة تقول بعدم نجاح الأمر نظرًا لعدة اعتبارات وهي أن الميليشيا الأكثر تجنيدًا للأطراف في النزاع المسلح هي نفسها التي تتفق مع الأمم المتحدة.
وأضاف أنه لا توجد أي ضمانات ملزمة لهذه الاتفاق، وخلال أكثر من عقد وجد أن الحوثيين لا يلتزمون باتفاقياتهم وعلى سبيل المثال دعمت الأمم المتحدة الحوثيين لنزع الألغام ما بين عام"2017" و"2018"، وقدم لها أكثر من 14 مليونا ومعدات ومع ذلك ازدادت المساحات المزروعة بالألغام بشكل غير مسبوق، كما أن المؤشرات تقول عكس ذلك فقد أعلنوا عن تدشينهم آلاف المراكز الصيفية لتجنيد الأطفال بعد إعلان الاتفاقية، وهذا أول خرق علني وواضح للاتفاق.
وعن جهود المؤسسة للتصدي لمشكلة تجنيد الطفال أضاف: "نحن في منظمة سياج، ما زلنا نناضل ونبذل جهودا بقدر المستطاع، ونأمل أن يكون لنا دور محوري كما فعلنا من قبل وبادرنا بشكل غير مسبوق لأي مؤسسة حكومية أو غير حكومية منذ عام 2009، وكان قرار الأمم المتحدة بتصنيف اليمن ضمن الدول التي تجند الأطفال استنادًا إلى تقارير منظمة سياج لحقوق الطفل، ونعمل بجهد لنكون مؤسسة وطنية تسهم بشكل كبير فيما يخص حل تلك الأزمة والحد من آثارها السلبية، ونسعى للتواصل مع الرئاسة اليمنية والوزارات للحد من تلك الظاهرة".
وتابع: يعتبر تجنيد الأطفال خطرا كبيرا يهدد الطفولة والمجتمع اليمني بشكل عام، لكن مخاطره متعدية إلى المصالح الدولية فهؤلاء الأطفال الذين يتم غسل أدمغتهم، لم ينالوا حظًا من التعليم وإنما حظوظًا من الطائفية والكراهية والعدوانية والإرهاب، وحمل السلاح باحترافية، فهذا سيكون له خطورة كبيرة في حاضر ومستقبل منطقة الخليج بأثرها والملاحة الدولية والدول المتأثرة بها، على اعتبار أن اليمن أحد الممرات الدولية المائية من خلال مضيق باب المندب، والذي يرتبط بشكل لصيق بمصر والخليج.
وطالب القرشي الجماعات المسلحة بالالتزام باتفاقات الأمم المتحدة والامتناع عن مشاركة الأطفال في عمليات التجنيد المسلح، ونطالب بوجود آليات وطنية ودولية لملاحقة مرتكبي هذه الانتهاكات وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب تحت أي مبرر، سيكون إسقاط حقوق الأطفال إذا توصلت الاتفاقات السياسية والمصالح السياسية إلى إسقاطها، لأن مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ولا بالتنازل، على ألا يظل هذا الأمر خاضعًا لرغبة الميليشيا في تنازلها من عدمه، يفترض أن يكون تحت طائلة المسائلة والعقاب تحت أي ظرف كان.