أنوار تبحث عن هادي.. غزة تغرق في صمت الفقدان وسط ركام الحرب

أنوار تبحث عن هادي.. غزة تغرق في صمت الفقدان وسط ركام الحرب
أنوار تبحث عن شقيقها بين النازحين في غزة

وسط أنقاض غزة المدمرة، تخرج أنوار حواس كل صباح تحمل صورة شقيقها الأصغر هادي، وتلصقها على الجدران المحطمة، لعلّ وجها مألوفًا أو عينًا رأته تدلّها على مكانه، فمنذ ثلاثة أسابيع اختفى هادي (17 عامًا)، المصاب بالتوحد وغير القادر على الكلام، بعد خروجه من منزل العائلة في حي الزيتون شرق المدينة، ومنذ ذلك اليوم، بدأت رحلة أنوار المليئة بالقلق، واليأس، واللا يقين.

تقول أنوار (22 عامًا): "أبحث عنه في كل حي وزقاق، أسأل المارة، وألصق صورته على الجدران، وأدعو الله أن أجده، لا نملك شيئًا آخر نفعله" وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.

غياب الدولة.. وعودة الوسائل البدائية

في ظل انقطاع الإنترنت، وغياب التنسيق الأمني، وانهيار شبه كامل للمنظومة الحكومية في غزة، تلجأ عائلات المفقودين إلى الوسائل البدائية: نشر الصور، تعليق الأوراق، والسؤال من باب إلى باب.

تؤكد أنوار: "لا توجد جهة حكومية تساعدنا، لا شرطة، ولا إسعاف، ولا خطوط ساخنة. نبحث بأنفسنا في المستشفيات، المقابر العشوائية، أو بين الأنقاض".

داخل أحد المستشفيات الميدانية التابعة للهلال الأحمر، تُسلم أنوار صورة هادي لموظفة استقبال، تُمعن الموظفة في الورقة، ثم تهز رأسها بالنفي، "لم نرَه"، تقول. "لكن إذا سمعنا عنه، سنتصل فورًا"، وتستمر الدوامة.

منصة توثيق شعبية وسط الفوضى

بمبادرة فردية، أنشأ الناشط غازي المجدلاوي منصة إلكترونية باسم "المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسرًا"، لمحاولة تنظيم عمليات البحث والتوثيق، وتخفيف الضغط عن العائلات.

يوضح غازي: "ندخل البيانات، نتحقق من الشهادات، ونتواصل مع المستشفيات والمراكز، لدينا عشرات المتطوعين، لكن دون أدوات طبية حديثة، كأدوات تحليل الـDNA، يصعب التعرّف على الجثث المنتشلة، والسلطات الإسرائيلية تمنع دخول المعدات اللازمة إلى قطاع غزة، ما يُبقي مئات الجثامين بلا هوية، وبعضها دُفن دون تسجيل رسمي".

أرقام مذهلة.. وواقع صادم

وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تجاوز عدد المفقودين في غزة منذ بدء الحرب 11 ألف شخص، معظمهم من الأطفال والنساء، وفي غياب قاعدة بيانات موحدة أو سجل رسمي للضحايا، تغيب الحقيقة.

تشير تقارير محلية إلى أن بعض المفقودين قد دُفنوا دون التعرف إليهم، وآخرين يُشتبه في احتجازهم داخل السجون الإسرائيلية، بينما يعتقد أن عدداً منهم اختفى قسرًا خلال عمليات الاقتحام أو أثناء النزوح الجماعي.

تقاعس دولي

يرى مصطفى إبراهيم، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، أن ما يحدث هو فشل إنساني وقانوني كارثي، قائلا: "تابعنا نحو 1,000 حالة فقدان، عرفنا مصير 600 منها. لكن 420 شخصًا لا يزالون في طيّ الغموض، لا معلومات، لا وثائق، ولا أجوبة".

ويضيف: "في مناطق النزاع، يجب أن يكون هناك جهاز إنساني مستقل لتوثيق المفقودين والمساعدة في عمليات البحث، لكن غزة تُركت تواجه الكارثة وحدها".

المفقود في غزة ليس مجرد رقم، هو طفل مثل هادي، أو أم فقدت الطريق، أو شاب نُسي بين الردم. وبينما ينشغل العالم بالخرائط والسياسة، تبقى آلاف العائلات تعيش يوميًا على حافة الأمل، وتحت عبء المجهول، وفي غزة، المفقود ليس فقط الغائب، بل أيضًا الحقيقة

الحرب في غزة والأزمة الإنسانية

منذ السابع من أكتوبر 2023، يشهد قطاع غزة واحدة من أكثر الحروب دموية ودمارًا في تاريخه، إثر اندلاع مواجهة عسكرية شاملة بين إسرائيل وحركة حماس، وقد جاء التصعيد بعد هجوم غير مسبوق شنته حماس على جنوب إسرائيل، ردّت عليه إسرائيل بحملة عسكرية واسعة النطاق جوًا وبرًا وبحرًا على قطاع غزة.

أدت العمليات العسكرية المستمرة إلى كارثة إنسانية واسعة النطاق، حيث تجاوز عدد الضحايا الفلسطينيين 56,000 شخص، وفق وزارة الصحة في غزة، معظمهم من المدنيين، بينهم آلاف الأطفال والنساء، بينما شُرّد أكثر من 1.9 مليون نسمة، أي قرابة 85% من سكان القطاع، في ظروف معيشية قاسية ومعدومة.

تعرّضت البنية التحتية المدنية في القطاع لتدمير واسع، بما في ذلك المستشفيات، المدارس، شبكات المياه والكهرباء، ومراكز الإيواء، وتفاقمت الأزمة الإنسانية بسبب الحصار الإسرائيلي الكامل المفروض على إدخال الغذاء والدواء والوقود، ما دفع وكالات الأمم المتحدة إلى التحذير من مجاعة وشيكة وانتشار الأوبئة.

تواجه الجهود الإغاثية تحديات جسيمة، وسط قيود إسرائيلية على عمل منظمات الإغاثة الدولية، واستهداف متكرر لموظفيها، كما حدث مع وكالة الأونروا وغيرها من الهيئات، وفي المقابل، يتصاعد القلق الدولي من احتمال ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، ما دفع محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية إلى فتح تحقيقات في ذلك.

ورغم القرارات الأممية الداعية لوقف إطلاق النار الفوري، لا تزال المعارك مستمرة، وتتعثر الجهود الدبلوماسية في التوصل إلى هدنة دائمة أو اتفاق يضمن دخول المساعدات وعودة النازحين.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية