الأمم المتحدة: الوقود الأحفوري يهدد مستقبل حقوق الإنسان ويتعارض مع العدالة المناخية

خلال الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان

الأمم المتحدة: الوقود الأحفوري يهدد مستقبل حقوق الإنسان ويتعارض مع العدالة المناخية
الوقود الأحفوري

شددت المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق تغير المناخ، إليزا مورجيرا، على أن الاعتماد المستمر على الوقود الأحفوري يمثل خطراً منهجياً على الحقوق الأساسية للإنسان، ويقوض فرص تحقيق انتقال بيئي عادل وشامل.

التقرير الذي قدم إلى الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، المنعقدة في جنيف حتى 9 يوليو الجاري، واطلع «جسور بوست» على نسخة منه، طالب بوقف فوري ومنظم للاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية، والانتقال إلى نظم مستدامة تضمن المساواة وحماية الفئات الضعيفة من آثار تغير المناخ.

وأكد التقرير أن الأضرار الناجمة عن استخدام الوقود الأحفوري لا تقتصر على الوقت الراهن، بل تمتد لتؤثر في أجيال قادمة، حيث يسهم الوقود الأحفوري بنسبة كبيرة في انبعاثات الغازات الدفيئة، ما يؤدي إلى تفاقم الظواهر المناخية القاسية، ويعرض حياة وسبل عيش الملايين للخطر، خاصة في الدول النامية والجزرية. وبين أن هذه الدول تتحمل تبعات تغير المناخ رغم إسهامها المحدود في أسبابه.

وعدّت المقررة استمرار هذا النموذج الاقتصادي القائم على الكربون يشكل نوعاً من «العنف المناخي المنهجي» الذي ينتهك حق الشعوب في الصحة، والمياه، والغذاء، والمأوى، والحياة الكريمة، داعية إلى «الخروج من نفق الكربون» الذي يعمي السياسات عن الخيارات البديلة.

وسلط التقرير الضوء على التوزيع غير العادل للمنافع الاقتصادية الناتجة عن استغلال الوقود الأحفوري، حيث تستأثر الشركات الكبرى والدول الصناعية بالفوائد، فيما تتحمل المجتمعات الفقيرة والضعيفة تكاليف التلوث، والكوارث المناخية، والنزوح البيئي، والإفقار المتسارع.

كما انتقد التقرير استخدام الوقود الأحفوري في صناعة البلاستيك والبتروكيماويات، واصفاً إياه بأنه «ارتهان مزدوج» يعمق أزمات الاستهلاك والنفايات والتدهور البيئي، ويفاقم انتهاك الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للنساء، والمجتمعات المحلية، والشعوب الأصلية.

وأبرز التقرير أن قطاع الوقود الأحفوري يلعب دوراً محورياً في عرقلة السياسات المناخية، من خلال التأثير في مراكز صنع القرار، وتمويل حملات تضليل إعلامي، والترويج لتقنيات خضراء زائفة أو حلول مؤقتة. كما أشار إلى أن بعض الاتفاقيات الاستثمارية الدولية تعرقل جهود التحول المناخي، وتحمي الشركات من المحاسبة البيئية، ما يضعف قدرة الدول على فرض إصلاحات هيكلية.

ووفق التقرير، فإن «الجهات الفاعلة الصناعية تواصل نشر سرديات مضللة حول كفاءة الوقود الأحفوري، في حين تشن حملات ضد المدافعين عن البيئة، وتستهدف حركات المجتمع المدني الرافضة لاستمرارية هذا النموذج».

ودعا التقرير إلى تبني إصلاحات متعددة الأطراف تضمن مساءلة الدول والشركات عن الأضرار المناخية، واقترح إنشاء آلية دولية لرصد التزامات الدول بوقف دعم الوقود الأحفوري تدريجياً. وشدد على ضرورة الاعتراف القانوني بالعلاقة بين تغير المناخ والانتهاكات الحقوقية، وربط السياسات البيئية بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية.

وأكدت المقررة الأممية أن على الدول التوقف عن تخصيص ميزانيات لدعم الوقود الأحفوري، وتحويل هذه الموارد إلى برامج تنموية عادلة، تشمل الطاقة المتجددة، والحماية الاجتماعية، والتأهيل المناخي للمجتمعات الفقيرة، وتمكين النساء والفئات الهشة.

وطالب التقرير المؤسسات المالية الدولية، كمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بتضمين معايير حقوق الإنسان في استراتيجيات تمويل الطاقة، وتوجيه الاستثمارات نحو مشروعات منخفضة الانبعاثات ذات تأثير مباشر في تحسين الحياة. كما أكد ضرورة تعزيز الشفافية، ومكافحة «غسل الكربون»، الذي تستخدمه بعض الشركات لإخفاء استثماراتها في الوقود الأحفوري.

وحث التقرير على إشراك منظمات المجتمع المدني في مراجعة مشاريع الطاقة، وإدراج الشعوب الأصلية في تصميم السياسات المناخية، بما يضمن احترام المعارف التقليدية وحقوقهم في الأرض والمورد.

وفي استنتاجه النهائي، شدد التقرير على أن حماية حقوق الإنسان في عصر تغير المناخ تتطلب «تحولا جذريا» في النموذج الاقتصادي العالمي، يرتكز على العدالة البيئية، والمساواة، واحترام كرامة الإنسان. ودعا إلى وقف الاعتماد على مؤشرات النمو التقليدية، مثل الناتج المحلي الإجمالي، واستبدالها بقياسات تعكس جودة الحياة، والإنصاف، والاستدامة البيئية.

واختتم التقرير بتأكيد أن «الوقود الأحفوري ليس مجرد مصدر للطاقة، بل هو هيكل سلطة غير عادل»، وأن التغاضي عن أخطاره يهدد مستقبل الكوكب، ويقوض الحقوق الأساسية لمليارات البشر.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية