النمسا توقف لمّ شمل عائلات اللاجئين في خطوة غير مسبوقة بالاتحاد الأوروبي
النمسا توقف لمّ شمل عائلات اللاجئين في خطوة غير مسبوقة بالاتحاد الأوروبي
دخل قرار وقف لمّ شمل عائلات اللاجئين والحاصلين على الحماية الثانوية حيز التنفيذ، في النمسا، لتصبح أول دولة في الاتحاد الأوروبي تتبنى سياسة من هذا النوع بشكل رسمي.
وأقرّ البرلمان النمساوي القرار الجديد بعد دراسة مستفيضة قدمتها الحكومة، وبرّرته بدوافع تتعلق بـ"حماية الخدمات العامة من الانهيار"، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز"، الجمعة.
وبحسب الحكومة، فإن تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى البلاد خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما عبر آلية لمّ الشمل العائلي، تسبب في ضغوط شديدة على النظامين الطبي والتعليمي، إذ إن الغالبية العظمى من الملتحقين هم أطفال وقصّر، ما يتطلب موارد ضخمة من الدولة.
وقال المستشار النمساوي كريستيان شتوكر إن "البلاد استقبلت بين عامي 2023 و2024 نحو 18 ألف شخص في إطار لمّ الشمل، منهم 13 ألفاً من الأطفال"، معتبرًا أن هذه الأرقام تُحتّم اتخاذ قرار بتعليق هذا النوع من الهجرة "بصورة مؤقتة ومسؤولة"، على حد تعبيره.
انتقادات حقوقية وتشكيك
منظمات إنسانية وحقوقية سارعت إلى التنديد بالقرار، معتبرةً إياه انتهاكًا صارخًا للحق في الحياة الأسرية. وأكد الفرع النمساوي لمنظمة العفو الدولية أن "القرار يمثل تعدياً غير مبرر على حقوق اللاجئين، ولا توجد حالة طوارئ تبرر هذا التراجع عن الالتزامات الإنسانية".
بدوره، أعرب حزب الخضر عن قلقه، مشيرًا إلى أن "التغيير التشريعي يثير تساؤلات قانونية جدية حول التوافق مع القانون الدولي وتشريعات الاتحاد الأوروبي". لكن الحكومة تصر على أن القرار تم بما يتماشى مع اللوائح الأوروبية ولا يتعارض مع الاتفاقيات الدولية.
ورغم أن القرار يشمل تجميدًا عامًا للمّ الشمل، فإن بعض الاستثناءات ستظل قائمة، بحسب وسائل إعلام نمساوية، أبرزها، القاصرون غير المصحوبين بذويهم والذين لا يتوفر لهم من يعيلهم في بلدهم الأصلي، والأطفال الذين لا يزال أحد الوالدين في بلد المنشأ، والذين يعدّونه مرجعهم الوحيد.
لكن نشطاء حقوقيين يرون أن هذه الاستثناءات غامضة ومحدودة جدًا، وقد لا تُطبق بالشكل الذي يحمي فعليًا مصالح الأطفال المعرضين للخطر.
سياسات اللجوء والهجرة
يعكس هذا القرار تحولًا كبيرًا في السياسة النمساوية تجاه المهاجرين، خاصةً أن النمسا كانت تُصنّف سابقًا من بين أكثر دول أوروبا استقبالًا للاجئين نسبةً لعدد السكان، إلا أن الحكومة الحالية، ذات الطابع اليميني الشعبوي، تتخذ منذ سنوات مواقف متشددة تجاه الهجرة.
وفي ديسمبر 2024، أعلنت النمسا تجميد معالجة طلبات اللجوء المقدمة من السوريين، بحجة أن "سقوط نظام بشار الأسد" أزال مبررات اللجوء، رغم أن منظمات أممية أكدت استمرار مخاطر العودة إلى سوريا. ويشكل السوريون نحو 90% من مجموع اللاجئين في النمسا.
يندرج هذا القرار ضمن موجة أوسع من السياسات المتشددة تشهدها أوروبا مؤخرًا، ففي ألمانيا، تم اعتماد قيود جديدة على لمّ الشمل لبعض فئات اللاجئين، إضافة إلى تشديد شروط الحصول على الجنسية.
تسوية أوضاع المهاجرين
في فرنسا، أعلنت الحكومة عن رفع فترة الإقامة اللازمة لتسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين من 5 إلى 7 سنوات، كما شددت على تنفيذ قرارات مغادرة الأراضي الفرنسية (OQTF)، وسط انتقادات حقوقية واسعة.
ويُتوقع أن يؤثر القرار النمساوي على آلاف اللاجئين المؤهلين للمّ الشمل، الذين كانوا يعلّقون آمالًا كبيرة على لمّ شملهم مع أسرهم، ما سيؤدي إلى زيادة معاناة اللاجئين وتشتت الأسر، خاصة في ظل الإجراءات المعقدة المتعلقة بإثبات النسب وفحوصات الحمض النووي.
ويحذر مراقبون من أن هذا القرار قد يفتح الباب أمام دول أوروبية أخرى لاتخاذ خطوات مماثلة، ما ينذر بتراجع عام في الضمانات الحقوقية الممنوحة للاجئين داخل الاتحاد الأوروبي، تحت ذرائع أمنية واقتصادية، في وقت تشهد فيه أوروبا صعودًا لليمين المتطرف في عدد من البرلمانات الوطنية.