اتفاقية تثير عاصفة إنسانية.. خطة "تبادل المهاجرين" تشعل الخلاف بين باريس ولندن
اتفاقية تثير عاصفة إنسانية.. خطة "تبادل المهاجرين" تشعل الخلاف بين باريس ولندن
أثار إعلان رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، عن إطلاق "مشروع نموذجي" لتبادل المهاجرين مع فرنسا، موجة انتقادات عارمة من منظمات إنسانية ونشطاء حقوقيين، فضلًا عن سياسيين من البلدين.
وقضى الاتفاق بأن تستقبل فرنسا مهاجرًا أعيد إليها من بريطانيا، مقابل قبول الأخيرة طلب لجوء لمهاجر قادم من الأراضي الفرنسية، في محاولة لاحتواء أزمة العبور غير النظامي عبر بحر المانش، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز"، اليوم السبت.
ورفضت الجمعيات الحقوقية هذه الخطة، واعتبرتها تلاعبًا بحياة البشر تحت عباءة الدبلوماسية، وأكدت أنها لن تُعالج الجذور الفعلية لأزمة الهجرة، بل ستزيد من تفاقمها.
انتقادات حقوقية للاتفاق
وصفت جمعية "يوتوبيا56" الفرنسية الاتفاق بأنه "اتجار بالبشر"، فيما اعتبرت منظمة "أطباء بلا حدود" الصفقة "خطيرة للغاية".
وحذّرت منظمة "كير فور كاليه" من أن التبادل الثنائي سيجعل حياة اللاجئين أكثر قسوة دون أن يوفر لهم حلولًا حقيقية، وقالت "إنه تبادل أرواح، لا سياسة هجرة".
وشددت فلورا ألكسندر، مديرة الصليب الأحمر البريطاني، على أن الاتفاق يعزز الردع لا الحماية، ويحرم المهاجرين من المسارات الآمنة، ما قد يدفعهم للمخاطرة بحياتهم عبر طرق أكثر خطورة.
وأكد إنفر سولومون، الرئيس التنفيذي لمجلس اللاجئين البريطاني، أن هذه الصفقة تهدد حياة من يفرّون من الاضطهاد والحروب، خصوصًا القادمين من أفغانستان والسودان، وأكد أن الحل يتطلب تعاونًا دوليًا وتوفير ممرات قانونية للوصول إلى بريطانيا بأمان.
صفقة سيئة لفرنسا
هاجمت ناتاشا بوشار، عمدة كاليه، الاتفاق، مؤكدة أن الحكومة لم تُجرِ أي تشاور مع المسؤولين المحليين. وقالت "نشعر بغضب شديد، نحن من نواجه الأزمة يوميًا، ولم تتم استشارتنا".
وأوضحت بوشار أن الحكومة الفرنسية تتهيأ لاستقبال مهاجرين لا ترغب لندن في إبقائهم، دون وجود خطة واضحة للتطبيق.
وأشارت إلى مخاوف من استئناف عمليات الإعادة عبر القطارات الأوروبية مثل "أوروستار"، رغم توقفها عن التوقف في كاليه منذ سنوات لأسباب أمنية.
وهاجم كزافييه برتراند، رئيس حزب الجمهوريين في شمال فرنسا، الاتفاق قائلًا إنه "صفقة سيئة لفرنسا وجيدة للبريطانيين"، مذكرًا بأن فرنسا تحرس الحدود نيابة عن لندن منذ اتفاقيات "توكيه"، التي -حسب تعبيره– "عفا عليها الزمن".
قلق من التداعيات القانونية
أعربت خمس دول في الاتحاد الأوروبي –هي إيطاليا، واليونان، وإسبانيا، ومالطا، وقبرص– عن رفضها للاتفاق، خشية أن تتحول فرنسا إلى محطة ترحيل للمهاجرين نحو هذه الدول، التي تُعد غالبًا نقطة الدخول الأولى إلى أوروبا.
واعتبرت هذه الدول أن باريس تتصرف بصورة أحادية خارج مظلة الاتحاد الأوروبي، ما يُهدد بإشعال خلافات داخلية في ملف طالما كان محل توتر أوروبي مزمن.
ويخشى مراقبون أن يُشكل الاتفاق خرقًا لاتفاقية الأمم المتحدة للاجئين، التي تنص على حق أي طالب لجوء في تقديم طلبه والحصول على الحماية دون الإعادة القسرية. ولا تخضع بريطانيا لقواعد دبلن الأوروبية منذ "بريكست"، ما يزيد من تعقيد المسألة.
انتقادات من أقصى اليمين
هاجم السياسي اليميني البريطاني نايجل فاراج، رئيس حزب "إصلاح المملكة المتحدة"، الاتفاق ووصفه بأنه "إهانة"، وكتب على منصة "إكس": "لقد تصرفنا كعضو خاضع في الاتحاد الأوروبي، وانحنينا لرئيس فرنسي متغطرس".
وطالب فاراج حكومة ستارمر برفض استقبال "الذكور غير الموثقين"، محذرًا من استغلال بريطانيا كوجهة سهلة للمهاجرين.
كما اعتبر وزير الداخلية البريطاني السابق، كريس فيلب، أن الخطة غير فعالة، إذ تسمح فقط بإعادة واحد من كل 17 مهاجرًا غير نظامي، وهو ما يعني بقاء 94% من المهاجرين، دون أثر رادع حقيقي.
أزمة إنسانية في بحر المانش
أظهرت بيانات وزارة الداخلية الفرنسية أن 17 شخصًا على الأقل لقوا مصرعهم منذ بداية عام 2025 أثناء محاولتهم عبور المانش إلى المملكة المتحدة. وبلغ عدد العابرين أكثر من 21 ألف مهاجر، أي بزيادة بنسبة 48% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
وتُعد هذه الأرقام مؤشرًا صارخًا على إخفاق السياسات الثنائية في وقف النزيف البشري في المانش، ما يستدعي، وفق منظمات دولية، اعتماد نهج أكثر شمولية قائم على حقوق الإنسان، والتعاون الأوروبي الجماعي، بدلاً من اتفاقات تبادلية لا تحظى بالرضا الشعبي ولا المؤسسي.