بين أبواب مغلقة وكرامة مهددة.. آلاف اللاجئين في بلجيكا يعيشون بلا مأوى
بين أبواب مغلقة وكرامة مهددة.. آلاف اللاجئين في بلجيكا يعيشون بلا مأوى
تحت سماء أوروبا التي كانت يومًا ما وعدًا بالأمان، يعيش آلاف اللاجئين في بلجيكا واقعًا قاسيًا، بعدما دخل قانون جديد حيّز التنفيذ يمنعهم من الحصول على الإيواء إذا كانوا قد حصلوا سابقًا على حماية في دولة أوروبية أخرى.
مع بداية شهر أغسطس، لم يعد اللاجئ الذي اضطر للهروب من وطنه، وطرق أبواب أوروبا باحثًا عن حياة آمنة، يجد في بلجيكا ملجأً مؤقتًا. ويمنع القانون الجديد الذي وصفته الحكومة بأنه “إجراء أزمة”، هؤلاء من دخول مراكز الاستقبال، تاركًا الكثيرين في الشوارع بلا مأوى ولا دعم، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز"، اليوم الأربعاء.
آدم، لاجئ سوري في الثلاثين من عمره، حصل قبل عامين على حماية مؤقتة في ألمانيا، لكنه لم يجد فيها سكنًا دائمًا أو فرصة للعمل. انتقل إلى بلجيكا بحثًا عن بداية جديدة، لكنه تفاجأ برفض استقباله: “قالوا لي إنني محمي بالفعل في مكان آخر، لكن الحقيقة أنني نمت على الرصيف لثلاث ليالٍ”.
قصص مثل قصة آدم تتكرر.. العشرات من العائلات، وفيهم أطفال ونساء حوامل، تُقيم الآن في مواقف القطارات أو الحدائق العامة. البعض ينام داخل محطات الحافلات، وآخرون ينتظرون أي فرصة للحصول على طعام ساخن من منظمات الإغاثة.
الهروب من المعاناة
تقول وزيرة اللجوء والهجرة البلجيكية، أنلين فان بوسويت، إن الإجراءات الجديدة تهدف إلى مواجهة ما سمّته بـ"التسوق داخل أنظمة اللجوء"، أي تنقّل اللاجئين من دولة أوروبية إلى أخرى بحثًا عن ظروف أفضل. لكن منظمات حقوقية ترى هذه النظرة تتجاهل الأسباب الحقيقية التي تدفع الناس للمغادرة.
بحسب مجلس اللاجئين في فلاندرز، فإن العديد من طالبي اللجوء يغادرون دولًا أوروبية حصلوا فيها على حماية، لأنهم عاشوا فيها دون مأوى أو تعرضوا لسوء المعاملة.
ويقول توماس ويليكنز، أحد مسؤولي المنظمة: "لا أحد يترك بلدًا فيه كرامة وأمان ليعيش في الشارع. المشكلة أكبر من مجرد أرقام وإجراءات، إنها تتعلق بالبشر".
أطفال يُستخدمون أدوات
من بين الإجراءات الأخرى التي دخلت حيّز التنفيذ، حرمان العائلات التي أعادت تقديم طلب لجوء باسم أحد الأطفال القُصّر دون مستندات جديدة، من حق الإيواء. تقول الحكومة إن ذلك لمنع التحايل، لكن النتيجة أن مزيدًا من الأطفال باتوا مهددين بالتشرد.
“كيف يمكن اعتبار طفل وسيلة للتحايل؟” تسأل أماني وهي أم لطفلين، وصلت إلى بلجيكا بعد أن رفض طلبها في اليونان، “ابني الصغير ينام على الأرض، لا دواء ولا سرير، ونحن ننتظر معجزة”.
تعيش بلجيكا، التي طالما عُرفت بسياسات اللجوء المعتدلة، الآن أزمة مزدوجة.. ارتفاع أعداد الوافدين، وضغط غير مسبوق على مراكز الاستقبال.
ويعيش نحو 33 ألف شخص في مراكز Fedasil، وبعضهم ينتظر لسنوات لحين البت في ملفه. وتقول الحكومة إن الإجراءات ضرورية لضمان استمرار النظام.
لكن منظمات مثل العفو الدولية تؤكد أن المشكلة ليست في الأعداد فقط، بل في غياب الإرادة السياسية والقرارات التي “تُقصي الفئات الأكثر هشاشة”.
مخاوف حقوقية وإنسانية
قانونيون وخبراء سابقون في شؤون اللاجئين أعربوا عن مخاوفهم من أن دمج المفوضية العامة لشؤون اللاجئين ضمن الهيكل السياسي الجديد قد يؤثر على استقلالية قرارات الحماية، ويجعلها خاضعة للضغط السياسي، وحتى مجلس الدولة الهولندي قرر منع إعادة طالبي لجوء إلى بلجيكا، واصفًا وضع الإيواء فيها بـ"الخلل البنيوي".
وفي مقاطع فيديو نشرتها الحكومة البلجيكية على واتساب ويوتيوب، تظهر رسائل واضحة: "لا تأتوا إلى بلجيكا.. مراكزنا ممتلئة". لكن الرسائل التي يرسلها اللاجؤون من الشوارع والحدود تقول شيئًا آخر: "نحن لا نبحث عن رفاهية، فقط عن حياة بكرامة".
وبعيدًا عن لغة القوانين والجداول، يواجه آلاف اللاجئين في بلجيكا لحظة قاسية، إذ تُغلق في وجوههم أبواب الملجأ في واحدة من أغنى دول العالم.