في طهران.. غموض مصير السجناء المتحولين جنسياً بسجن "إيفين" يثير الجدل
في طهران.. غموض مصير السجناء المتحولين جنسياً بسجن "إيفين" يثير الجدل
في صباح 23 يونيو، لم تكن طهران تعرف أن إحدى أكثر منشآتها الأمنية سرّية: سجن "إيفين"، ستتحول فجأة إلى مسرح دموي تحت نيران القصف الإسرائيلي، لكن بعد ثلاثة أسابيع من الحادث، وبين قوائم القتلى المعلنة وصور الضحايا المعلقة على جدران المؤسسات الحكومية، لا تزال هناك فئة واحدة من السجناء تغيب عن كل نشرات الأخبار، وهم السجناء المتحولون جنسياً.
بين الجدران السميكة والقبو المنعزل في القسم الأول من السجن، كان هؤلاء السجناء يعيشون واقعًا مضاعف القسوة: عقوبة السجن، والهوية التي لا تجد لها مكانًا في أنظمة العقاب أو الرحمة، بحسب ما ذكر موقع "إيران إنترناشيونال"، الجمعة.
"كانوا في الأسفل، لا نراهم إلا نادرًا، لكننا سمعنا الصراخ في الليلة التي سبقت الهجوم، ثم ساد صمت طويل"، هكذا يروي أحد السجناء السياسيين السابقين الذي غادر سجن "إيفين" قبل أسابيع فقط من الهجوم.
ويضيف، مترددًا: "قيل لنا إنهم نُقلوا قبل أيام إلى مبنى مهجور قرب القسم الرابع، البعض قال إنها خطوة أمنية، وآخرون رجّحوا أنها كانت تمهيدًا لإخفاء ما قد يحدث لاحقًا".
رغم تلك الأحاديث المتناثرة، لم يرد ذكر المتحولين جنسيًا في أي من البيانات الرسمية للسلطات الإيرانية، التي أعلنت مقتل 79 شخصًا، ونشرت أسماء 57 فقط.
مجهولون في الحياة والموت
داخل زنازين ضيقة لا تُفتح أبوابها إلا نادرًا، عاش السجناء المتحولون جنسيًا في عزلة شبه تامة، لم يُسمح لهم بالاختلاط ببقية السجناء، ولا كانت لهم زيارات منتظمة. بعضهم سُجن بتهم مثل "ارتداء ملابس نسائية"، أو "التشبه بالجنس الآخر"، أو بسبب مشاجرات في الشارع انتهت بتقرير شرطة يصفهم بـ"غير الطبيعيين".
يقول موظف اجتماعي سابق في السجن، طلب عدم كشف هويته: "يُعاملون كأنهم مشكلة يجب إخفاؤها. كانوا يُحتجزون في القبو، تحت الحجر الصحي، ولا يعلم عنهم أحد شيئًا". ثم يتوقف لحظة ويضيف بصوت منخفض: "حتى بعد الهجوم، لا أحد يسأل عنهم".
في أحد أحياء كرج، تقف والدة سامان (اسم مستعار) أمام باب منزلها القديم كل مساء، تراقب الشارع بلا سبب ظاهر، دخل ابنها سجن "إيفين" عام 2021، بعد توقيفه بسبب مشاركته في عرض فني بملابس نسائية، "كان ابني فنانًا"، تقول، "لكنه لم يكن مجرمًا، هو فقط مختلف".
منذ الهجوم، لم تتلقّ الأسرة أي خبر، هاتف السجن لا يرد، المحامون لا يملكون إجابات، وتكرار الزيارات لبوابة السجن لا يجدي، "أريد فقط أن أعرف.. هل هو حيّ؟ هل دفنوه؟ هل هو في مستشفى؟ فقط الحقيقة".
من القبو إلى الغياب
بحسب شهادات متطابقة، نُقل المتحولون جنسيًا من القسم الأمني 240 إلى قبو القسم الأول في أواخر 2019، وبقي مكانهم الجديد مجهولًا لبقية السجناء، لم يكن لهم احتكاك بالزوار، ولم تظهر صورهم في أي من تقارير منظمات حقوق الإنسان بعد الهجوم.
وعندما نشرت صحيفة نيويورك تايمز أن نحو 100 من السجناء المتحولين قُتلوا في الهجوم، سارعت مصادر محلية إلى التشكيك، معتبرة أن العدد الكلي لهؤلاء السجناء في سجون طهران لا يتجاوز هذا الرقم.
لكن الغموض لا يزال سيّد الموقف، فمن بين 22 قتيلًا لم تُكشف هوياتهم حتى اليوم، يُرجّح مراقبون أن يكون بعضهم من هذه الفئة المنسية.
الهوية الجندرية كجريمة
في إيران، تُعد الهوية الجندرية غير النمطية سببًا كافيًا للنبذ الاجتماعي، والاعتقال أحيانًا، رغم وجود قوانين تسمح بالتحول الجنسي، فإن الواقع داخل السجون يسير في اتجاه آخر، فالتمييز والعنف الممنهج، إلى جانب انعدام الرعاية الطبية والنفسية، يجعل من السجن رحلة قاسية لأصحاب الهويات الجندرية المختلفة.
يقول أحد السجناء المتحولين السابقين: "لم نكن نُعامل كسجناء، بل كأخطاء بيولوجية يجب تصحيحها بالقوة".
واليوم، لا توجد قائمة رسمية بأسماء السجناء المتحولين جنسيًا المحتجزين في سجن "إيفين" وقت الهجوم، لم تُنشر أي وثائق طبية أو شهادات وفاة، لا تُعرف تفاصيل عن مصيرهم، إن كانوا ضمن القتلى، أو نُقلوا سرًّا، أو ما زالوا أحياء في مكان ما لا يعرفه أحد.
وحتى حين تنشر السلطة القضائية أسماء قتلى من موظفين وجنود وزائرين، يبقى مكان هؤلاء السجناء فارغًا من أي ذكر، كأنهم لم يكونوا هناك أصلًا.