الجوع في بلد الثراء.. تفكيك الحماية الاجتماعية في أغنى دولة بالعالم

قانون ترامب "الضخم والجميل"

الجوع في بلد الثراء.. تفكيك الحماية الاجتماعية في أغنى دولة بالعالم
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أرشيف

في واحدة من أغنى دول العالم، تجد جايد جونسون، الأم الشابة من ماريلاند، نفسها مجبرة على فتح الثلاجة الخاوية مرارًا كأن الطعام سيظهر من العدم، تقول: "إنه شعور بالإذلال، لا مجرد جوع"، كانت تحصل على 520 دولارًا شهريًا من برنامج SNAP لشراء الغذاء، ولكن الآن تواجه خطر حرمانها من الدعم بعد تعديل وصفه دونالد ترامب بـ"الضخم والجميل"، فيما تراه هي وأمثالها تجريدًا ممنهجًا من الحق في الغذاء.

لا يحمل القانون الجديد، الذي صوّت له الجمهوريون ويُروَّج له بأنه "إصلاح اقتصادي مسؤول"، من الجمال سوى الاسم، يقيد المساعدات الفيدرالية للأسر محدودة الدخل بشروط صارمة، ويعيد تعريف "الاستحقاق" بطريقة تُقصي ملايين المحتاجين من دائرة الحماية الاجتماعية.

ووفقًا لتحليل نشرته "نيويورك تايمز"، اليوم الأحد، فإن القانون قد يؤدي إلى حرمان نحو مليوني شخص من المساعدات الغذائية، بخاصة أولئك غير القادرين على إثبات أنهم يعملون ساعاتٍ كافيةً أسبوعيًا.

هذا يشمل العاطلين، والأشخاص ذوي الإعاقات الخفية، والمسنين، بل وحتى المحاربين القدامى والمشرّدين. والكارثة لا تقف هنا، فالقانون يدفع الولايات لتحمّل العبء بدلاً من الحكومة الفيدرالية، مما يفتح الباب أمام تخفيضات إضافية أو انسحاب كلي من البرامج الاجتماعية.

تقنين الجوع

في ولاية ماساتشوستس، تُمسك امرأة مسنّة بذراع روبن بياليكي، مديرة مركز توزيع الغذاء في إيستهامبتون، وتقول برجاء: "نحن نعتمد عليك!"، مركزها الذي كان يخدم 1000 أسرة شهريًا، أصبح الآن ملاذًا لما يفوق 5000، في ظل تراجع الدعم الحكومي.

تقول بياليكي، التي تتقاضى راتبًا زهيدًا: "كل يومٍ أُذهل من حقيقة أننا لا نستطيع إيقاف هذا الجنون".

يبدو أن أمريكا تتجه نحو تقنين الجوع، فبرنامج SNAP، الذي كان يوفر طعامًا يعادل تسعة أضعاف ما تقدمه بنوك الطعام مجتمعة، يتقلص أمام أعين المحتاجين. وبحسب منظمة "فيدينج أمريكا"، فإن أي تقليص في هذا البرنامج لا يمكن تعويضه بجهود الجمعيات الخيرية.

وتضيف: "من يقفون في الطوابير اليوم ليسوا متسوّلين بل عمالًا وموظفين فقدوا وظائفهم، أو يعيشون على رواتب لا تكفي سداد الإيجار وفاتورة الكهرباء وشراء الطعام معًا.. بعضهم يرتدي ملابس أنيقة، يقودون سيارات مستعملة، يحاولون الحفاظ على مظهر الكرامة، لكنهم في الداخل منكسرون"، توضح: "يبدو عليهم الغنى، لكنهم على حافة الانهيار".

وبحسب "واشنطن بوست"، فإن نحو 13.8 مليون طفل أمريكي عانوا من انعدام الأمن الغذائي في 2023 وحدها، ومع تزايد الضغوط على الأسر، لا يمكن تجاهل أن الأطفال هم أول الضحايا.

تقول ستيفاني إيتينجر دي كوبا من مركز مراقبة صحة الأطفال: "أجسادهم وعقولهم ستدفع الثمن لعقود"، ويؤكد خبراء أن الجوع في السنوات الأولى من حياة الطفل يؤدي إلى تبعات صحية وتعليمية واقتصادية يصعب معالجتها لاحقًا.

تتساءل دي كوبا: "هل أصبح من الطبيعي في أمريكا أن يذهب الأطفال إلى المدارس بلا فطور؟"، أما بالنسبة لجونسون، فإن طفلها بات ينام أحيانًا على صوت معدتها الخاوية، دون أن تدرك تمامًا أن السياسة في واشنطن كانت السبب.

إصلاح اقتصادي أم هندسة فقر؟

على الورق، يبدو أن مشروع ترامب يوفّر للدولة 1.2 تريليون دولار خلال 10 سنوات، لكن المثير للسخرية أن هذا المبلغ يعادل جزءًا يسيرًا مما ستخسره الخزينة بسبب إعفاءات ضريبية جديدة تستهدف الأثرياء، والتي تصل إلى 3.4 تريليون دولار. بمعنى أكثر وضوحاً: الدولة اختارت أن تموّل امتيازات أغنى 2% من السكان على حساب الطعام والدواء للفقراء.

والمفارقة كما ذكرتها "الغارديان"، أن الشروط الجديدة تطول حتى الذين يعملون بالفعل، ولكن بشكل جزئي أو غير منتظم، كثير من الأسر غير قادرة على توفير الأوراق المطلوبة أو الوصول إلى الإنترنت لإتمام الإجراءات، مما يعني طردًا تلقائيًا من البرامج، لم يكن هذا مجرّد تقنين للمساعدات، بل تجريد للفقر من كل استثناء إنساني.

الجوع في أمريكا لم يعد مسألة طارئة، بل مشروعًا سياسيًا له قانون واسم وتوقيع رئاسي، إن ما يحدث لا يمكن وصفه إلا بأنه تدمير منظم لشبكة الأمان الاجتماعي في دولة تزعم قيادة العالم الحر، بينما تقف عاجزة عن إطعام أطفالها.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية