"لا أوراق ولا وجود".. ملايين الباكستانيين يقبعون خلف جدران التهميش

"لا أوراق ولا وجود".. ملايين الباكستانيين يقبعون خلف جدران التهميش
باكستانيون يتلقون التعليم بجهود ذاتية

في غرفة صغيرة بضاحية فقيرة من مدينة كراتشي، يجلس أحمد رضا، شاب يبلغ من العمر 19 عاماً، عاجزاً عن الحلم بمستقبل، لا لأنه يفتقر إلى الطموح أو المهارات، بل لأنه ببساطة لا وجود رسمي له.

أحمد، مثل ملايين الباكستانيين، لا يحمل شهادة ميلاد، ولا بطاقة هوية، ولا أي مستند رسمي يثبت أن له حقاً في التعليم، أو العمل، أو حتى في الحماية القانونية، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، الثلاثاء.

يقول أحمد بنبرة ممتزجة بالخذلان: "إذا ذهبتُ إلى مدرسة أو محل عمل، يطلبون بطاقة الهوية. بدونها، أُرفض قبل أن أبدأ".

ترك أحمد دراسته بعد المرحلة الابتدائية حين طالبته المدرسة بشهادة ميلاد، لم تتمكن والدته من توفيرها. مريم سليمان، والدته، أرملة في الخامسة والخمسين من عمرها، تعترف بأنها لم تكن تدرك خطورة غياب الهوية.

"كنت أظن أن الأمور ستسير بشكل طبيعي، لكن الآن أدفع الثمن أنا وابني، لأننا ببساطة غير مسجلين، لا نوجد في نظر الدولة".

وجود غير معترف به

رغم إدخال نظام بطاقات الهوية البيومترية عام 2000، لا يزال قرابة 45 مليون شخص غير مسجلين بحسب تقديرات الهيئة الوطنية لقواعد البيانات والتسجيل (NADRA) في عام 2021. 

هؤلاء يُعتبرون "مخفيين" عن النظام، ولا يستطيعون الوصول إلى أي من حقوقهم الأساسية: التعليم، الرعاية الصحية، الضمان الاجتماعي، أو حتى السفر.

تكلفة التسجيل، وإن بدت ضئيلة على الورق، تشكّل عبئاً هائلاً على العائلات التي تعيش تحت خط الفقر، مثل عائلة أحمد التي تكسب 165 دولاراً شهرياً، بالكاد تكفي للبقاء على قيد الحياة. والأسوأ من ذلك، يشير السكان إلى وجود سوق سوداء لتسجيل الأسماء ودفع الرشى.

“كل شيء يتطلب وساطة أو رشوة، حتى مجرد إثبات أنك حي”، يقول أحمد بمرارة.

النساء في قلب الأزمة

تتحمّل النساء عبئاً مضاعفاً في هذه الأزمة. ففي القرى النائية مثل راجنبور، في إقليم البنجاب، تعجز الكثير من النساء عن الذهاب للمكاتب الحكومية وحدهن. 

ناديا حسين، أم لطفلين، تقول: "الرجال بالكاد يجدون وقتاً لكسب قوت يومهم. أما نحن، فلا توجد وسيلة آمنة لنا للتنقل بمفردنا، ولا قدرة على تحمل تكاليف النقل والغياب عن العمل".

بسبب هذا الواقع، 58% من الأطفال دون سن الخامسة لا يحملون شهادات ميلاد، بحسب بيانات حكومية. هؤلاء الأطفال مهددون بالحرمان من التعليم، ويقعون في دائرة خطر عمالة الأطفال والزواج القسري، بلا حماية قانونية.

وتعمل منظمات مثل اليونيسف على حملات توعية تبدأ من الأبواب، وفي بعض القرى، ارتفعت نسبة تسجيل الأطفال من 6.1% عام 2018 إلى 17.7% عام 2024، وهو تقدم لا يزال بطيئاً لكنه مشجّع.

"إذا لم تُبلَّغ الدولة بوجود طفل، فلن تُخطط لأي خدمات له، ولن توفر له الرعاية أو التعليم أو التطعيمات"، تقول زاهدة منظور، مسؤولة حماية الطفل في اليونيسف.

جيل بلا اسم.. وبلا مستقبل

في مناطق مثل خيبر بختونخوا، الحدودية والجبلية، تكاد لا توجد صلة بين السكان والدولة. محمد حارس، أب لثمانية أبناء غير مسجلين، يختصر المسألة بقوله: "التسجيل مهم فقط إن أردت الذهاب إلى مكة لأداء الحج أو العمرة، غير ذلك، لا نحتاجه".

لكن الحقائق على الأرض تقول غير ذلك، ملايين الأطفال محرومون من المدارس، وآلاف الشبان يُرفضون من كل فرصة عمل أو تدريب، لا لشيء سوى أنهم بلا أوراق. 

وفي المقابل، يستمر هذا الجيل في التورط في دوائر الفقر والتهميش، عاجزاً عن كسر القيود التي فُرضت عليه منذ لحظة ولادته.

قد تبدو بطاقة الهوية مجرد وثيقة، لكنها في باكستان بوابة نحو الوجود، نحو المستقبل. وبدونها، يبقى ملايين الأشخاص خلف أسوار غير مرئية، لا يملكون حق الحلم، ولا فرصة الحياة الكريمة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية