170 مليون مواطن بلا درع.. ماذا يعني غياب لجنة حقوق الإنسان في بنغلاديش؟
170 مليون مواطن بلا درع.. ماذا يعني غياب لجنة حقوق الإنسان في بنغلاديش؟
بعد مرور قرابة عام كامل على تولي الحكومة المؤقتة السلطة في بنغلاديش، تتعالى الأصوات الحقوقية محذّرةً من تداعيات الفراغ المؤسسي الخطير المتمثل في فشل الحكومة البنغلاديشية في تشكيل اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ولجنة المعلومات، حيث إن هذا الغياب لا يُعدّ تقصيرًا إداريًا فقط، بل بات يُفسَّر كمؤشر على لامبالاة مقلقة تجاه الشفافية والمساءلة وحماية حقوق الإنسان، في بلدٍ يواجه تحديات ديمغرافية واقتصادية وأمنية متشابكة.
في بيان شديد اللهجة، أعربت منظمة الشفافية الدولية– بنغلاديش (TIB) الخميس، عن قلقها العميق إزاء استمرار شغور هاتين المؤسستين الرئيسيتين، واعتبرت الأمر "مثالًا غير مقبول على إهمال الدولة لمسؤولياتها".
ووصف المدير التنفيذي للمنظمة، افتخار الزمان، غياب اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بأنه "تحدٍّ للحق الدستوري للمواطنين في الحماية والإنصاف".
وبحسب المنظمة، فإن لجنة حقوق الإنسان كانت تمثل الملاذ الأخير للكثير من الضحايا، وغيابها قوّض فعليًا وصول المواطنين إلى العدالة في قضايا الانتهاكات، بينما أدى غياب لجنة المعلومات إلى تقييد حرية الإعلام وإضعاف الرقابة المجتمعية.
أرقام وانتهاكات بلا رقيب
تكشف الأرقام أن الأزمة أبعد من كونها إدارية: فقد سجّل تقرير هيومن رايتس ووتش لعام 2023، 40 حالة اختفاء قسري في بنغلاديش، معظمها استهدف معارضين وصحفيين، كما تحدثت تقارير محلية عن زيادة حالات التعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز، بينما بقي الضحايا بلا جهة رسمية يلجؤون إليها.
في الوقت ذاته، وثّق منتدى الصحفيين البنغلاديشيين رفض السلطات أكثر من 500 طلب رسمي للحصول على وثائق حكومية العام الماضي، ما مثّل ضربة جديدة لحرية الصحافة وجهود مكافحة الفساد.
بحسب استطلاع للرأي أجراه مركز التنمية المستدامة في دكا، عبّر 78% من الشباب عن شعورهم بانعدام الأمان في مواجهة أي انتهاكات محتملة، في ظل غياب هيئة مستقلة تُدافع عن حقوقهم، هذا التراجع في ثقة المواطن بالمؤسسات الرسمية يُهدّد السلم الاجتماعي ويعمّق الشعور بالتهميش.
تأسست اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في بنغلاديش عام 2009 كجزء من خطة إصلاح شاملة بعد ضغوط محلية ودولية، وساهمت اللجنة –رغم محدودية صلاحياتها– في تسليط الضوء على بعض الانتهاكات وفتح قنوات حوار بين الدولة والمجتمع المدني.. لكن منذ سنوات، بدأت تتراجع فاعليتها بسبب نقص التمويل وتدخلات السلطة التنفيذية، حتى انتهى بها المطاف بلا قيادة منذ نحو عام.
الالتزامات الدولية المعلّقة
تبدو المفارقة صارخة حين نعلم أن بنغلاديش عضو في مجلس حقوق الإنسان الأممي منذ 2019، ووقّعت على اتفاقيات دولية أساسية كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب، ورغم ذلك، انتقدت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في تقريرها الأخير "عدم اتخاذ الحكومة خطوات ملموسة لتفعيل آليات الرقابة المستقلة".
في تصريحات مقتضبة لوكالة بي دي نيوز 24، لمّح مسؤول حكومي إلى وجود "نقاشات داخلية متقدمة" لتسمية أعضاء جدد، لكنه لم يحدّد إطارًا زمنيًا، ويرى خبراء أن مجرد التلميح لا يكفي لإعادة الثقة، ما لم يُترجم إلى خطوات رسمية عاجلة.
في دول آسيوية مثل سريلانكا ونيبال، أسهمت لجان حقوق الإنسان المستقلة نسبيًا في كشف انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، ما أجبر الحكومات على تعديل سياسات أمنية قمعية، ويؤكد خبراء القانون الدولي أن بنغلاديش بحاجة لتبنّي نماذج مشابهة، عبر تقوية صلاحيات لجنتها الرقابية وضمان استقلالية ميزانيتها.
مقترحات إصلاحية لإنقاذ الموقف
دعت منظمة الشفافية الدولية ومنظمات أخرى إلى إصلاحات عاجلة، أبرزها: تعديل آلية تعيين الأعضاء لتتم بشفافية وبمشاركة المجتمع المدني، وتعزيز صلاحيات اللجنة لتشمل إجراء تحقيقات مستقلة والتوصية بإجراءات قضائية ملزمة، وضمان موازنة مستقلة مباشرة دون تدخل الحكومة، وتخصيص خط ساخن واستقبال شكاوى المواطنين مباشرة.
غياب الشفافية والمساءلة لا يؤثر فقط على حقوق الإنسان، بل يُضعف أيضًا البيئة الاستثمارية. فقد صنّف تقرير مؤشر مدركات الفساد العالمي لعام 2023 بنغلاديش في المرتبة الـ147 من أصل 180 دولة، مشيرًا إلى ضعف المؤسسات الرقابية كأحد الأسباب.
ويرى محللون أن الأزمة تكشف خللاً أعمق في رؤية الدولة لدورها كضامن لحقوق المواطنين، لا كخصم لهم، وأن استمرار غياب اللجنة الوطنية ولجنة المعلومات يعني عمليًا تقليص قدرة المواطن على الدفاع عن نفسه أمام السلطة.
تبقى القصة الأهم في كل ذلك هي معركة المواطن العادي: معركة الحصول على معلومة تكشف فسادًا، أو شكوى ضد انتهاك، أو أمل في أن يجد في اللجنة الوطنية جهة تنصفه، هي معركة كرامة قبل أن تكون سياسة، وهي معركة لا تُحسم إلا بوجود إرادة سياسية حقيقية تعيد الروح لمؤسسات كان يُفترض أن تكون درعًا يحمي الضعفاء.