وسط مخاوف حقوقية.. بريطانيا تستخدم الذكاء الاصطناعي لتقدير أعمار طالبي اللجوء

وسط مخاوف حقوقية.. بريطانيا تستخدم الذكاء الاصطناعي لتقدير أعمار طالبي اللجوء
الهجرة غير الشرعية - أرشيفية

في مشهد يُعيد فتح الجدل الأخلاقي حول التوازن بين التكنولوجيا والحقوق الإنسانية، أعلنت المملكة المتحدة عن استخدام الذكاء الاصطناعي لتقدير أعمار طالبي اللجوء الذين يقولون إنهم قاصرون، في خطوة جديدة ضمن سياسة أكثر تشدداً ضد الهجرة غير النظامية.

في مدينة دوفر الواقعة جنوب إنجلترا، حيث تهبط القوارب الصغيرة المحمّلة بأحلام الشباب الفارين من الحروب والقهر، لا يملك الوافد الجديد سوى جملة واحدة يكررها أمام موظفي الحدود: "أنا طفل"، لكن هذه الجملة أصبحت الآن تحت مجهر الذكاء الاصطناعي، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز"، اليوم الخميس.

وزيرة أمن الحدود واللجوء البريطانية، أنجيلا إيغل، أوضحت أن التقنية تعتمد على ملامح الوجه وتستند إلى تحليل ملايين الصور لأشخاص معروف أعمارهم بدقة. 

الهدف الظاهري هو تفادي الخطأ بين من يدّعون أنهم دون سن 18، وبين البالغين الذين يحاولون استغلال هذا التصنيف للتمتع بمعاملة قانونية أفضل.

لكن ما يبدو على الورق إجراءً تنظيمياً "فعالاً" يخفي خلفه أسئلة إنسانية وقانونية وأخلاقية معقدة.

طفل أم بالغ؟ التكنولوجيا تقرر

تجربة هذه التقنية ستنطلق ضمن مشروع تجريبي تمهيداً لإدراجها رسمياً عام 2026، لكن، بحسب تقرير شديد اللهجة أصدره ديفيد بولت، المفتش العام لشؤون الحدود والهجرة، فإن التقديرات الحالية للأعمار -والتي ستعتمد عليها التكنولوجيا الجديدة لاحقاً- تعاني من العشوائية وتؤدي إلى "تدهور الحالة النفسية للأطفال".

في بعض الحالات، يُصنَّف أطفال على أنهم بالغون، فيُجبرون على مشاركة غرفهم مع غرباء راشدين.. وفي حالات أخرى، يُعامل بالغون على أنهم أطفال، ويُدمجون في مراكز إيواء القصر، النتيجة هي فقدان الثقة، تدهور نفسي، وشعور متنامٍ بعدم الأمان.

"التقنية سريعة، لكن حياة الطفل ليست اختبار معمل"، تقول أليسون غرانت، عاملة اجتماعية في أحد مراكز استقبال اللاجئين. 

وتضيف: "الذكاء الاصطناعي لا يعرف خلفية هذا الطفل، ولا ما مرّ به من صدمات. كيف يمكن للصورة أن تحكم على من هو بحاجة إلى الحماية؟".

الذكاء الاصطناعي خطوة استثنائية

لا تُعد هذه الخطوة استثناءً، بل تأتي في إطار سياسة أكثر شمولاً أعلنتها الحكومة البريطانية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، والتي تشمل خفض صافي أعداد المهاجرين، تعديل شروط الإقامة والجنسية، وتقييد دخول طالبي اللجوء عبر مسارات غير شرعية.

وتصاعد القلق لدى المدافعين عن حقوق الإنسان، خاصة في ظل تجارب سابقة أظهرت أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي قد تحمل تحيّزاً ضد جنسيات معينة أو تعتمد على بيانات ناقصة أو مغلوطة.

وزير العلوم والتكنولوجيا، بيتر كايل، أعلن عن اتفاق مع شركة "OpenAI"، المطوّرة لـ"ChatGPT"، لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات العدالة والأمن والتعليم، لكن في قضية تقدير أعمار المهاجرين، لا يبدو أن الذكاء الاصطناعي سيكون أداة تعليمية أو أمنية فقط، بل سيصبح حَكَمًا على حياة أشخاص قد يتوقف مصيرهم على تقدير خاطئ ببضعة أعوام.

الوجوه لا تخبر كل الحكاية

طفل سوري يبلغ من العمر 16 عاماً وصل مؤخراً إلى بريطانيا عبر البحر. يقول لمحاميته: "قالوا لي إن وجهي يبدو أكبر من سني. لم أتناول طعامًا جيدًا منذ شهور، ومررت بسجون كثيرة. كيف يبدو وجهي؟ أنا لست رجلاً بعد"، عيونه الغائرة وجسمه النحيل لا يقدّمان "معلومات رقمية دقيقة"، لكنه يعرف أنه ليس بالغًا.

القلق الأكبر من استخدام الذكاء الاصطناعي هنا، كما تقول منظمة "Refugee Council"، هو اختزال القُصَّر في مقاييس رقمية تفشل في احتساب أثر الحرب والجوع والخوف على ملامحهم وأجسادهم.

وبلغ صافي الهجرة في المملكة المتحدة رقماً قياسيًا (906,000 شخص حتى منتصف 2023)، وهو ما يُستخدم ذريعة في الخطاب السياسي لتبرير تشديد الإجراءات. 

ومع انخفاض الهجرة الأوروبية بعد "بريكست"، باتت الأنظار موجهة نحو طالبي اللجوء واللاجئين غير النظاميين.

لكن خلف الأرقام والسياسات توجد حكايات شباب فرّوا من الدمار، وتمنّوا فقط حياة هادئة، دراسة، وربما فرصة للعمل والنجاة. والآن، ربما تقرر صورة وجوههم إذا ما كانوا يستحقون ذلك.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية