أفغانستان في ظل طالبان.. أزمة حقوق الإنسان تتفاقم وسط تجاهل دولي
أفغانستان في ظل طالبان.. أزمة حقوق الإنسان تتفاقم وسط تجاهل دولي
منذ استيلاء حركة طالبان على السلطة في أفغانستان عام 2021، باتت حياة ملايين الأفغان في قبضة سلطة تتوسع يوماً بعد آخر في القمع والمنع، خصوصًا للنساء والفتيات. بينما يحتفل قادة الحركة بما يسمونه "الاستقرار والأمن"، يعيش الشعب الأفغاني واقعًا مغايرًا، ملؤه الخوف والتجويع والتهميش.
وتُجمع منظمات حقوق الإنسان، المحلية والدولية على أن البلاد تشهد واحدة من أسوأ أزمات حقوق الإنسان والكارثة الإنسانية على مستوى العالم، تتخللها انتهاكات جسيمة تُمارس على نطاق واسع ضد المدنيين، في ظل انكماش اقتصادي، وشح في المساعدات، وتخلٍ دولي شبه كامل عن واجب الضغط والمساءلة.
قمع النساء والفتيات
تُعتبر النساء في أفغانستان اليوم الضحية الأولى لحكم طالبان فمنع الفتيات من التعليم بعد الصف السادس، وحرمان النساء من الدراسة الجامعية، ومنعهن من العمل في معظم المجالات، وصولًا إلى تقييد حركتهن في الأماكن العامة بفرض نظام "المَحرَم"، شكّل نواة نظام قمعي يعيد المجتمع إلى عصور الانغلاق.
ويقول تقرير حديث لهيومن رايتس ووتش إن القيود المفروضة على النساء في أفغانستان لا تمثل فقط تمييزًا صارخًا، بل ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية، إذ أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في يوليو 2025 مذكرتي توقيف بحق زعيم طالبان هبة الله آخندزاده، ورئيس القضاة عبد الحكيم حقاني بتهمة الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي.
جاء في بيان للمنظمة الحقوقية: "في الذكرى الرابعة لعودة طالبان، ما زالت النساء والفتيات في الصفوف الخلفية، محرومات من الحلم، والتعليم، والعمل، وحتى الرعاية الصحية".
التعليم في مهبّ الريح
في بلد يحتاج فيه أكثر من نصف السكان إلى مساعدات غذائية، تعاني الفتيات حرمانًا مضاعفًا: من التعليم، ومن التغذية، ومن الأمل.
بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) التابع للأمم المتحدة، فإن أكثر من 400 منشأة صحية أغلقت أبوابها حتى منتصف 2025، ما فاقم حرمان النساء من الرعاية الصحية الأساسية، خصوصًا في حالات الولادة والطب النسائي، في ظل رفض سلطات طالبان السماح للطبيبات بالعمل بحرية.
كما أدت تخفيضات المساعدات الأمريكية، التي كانت تشكّل 40% من المساعدات الإنسانية، إلى تهديد برامج التعليم عبر الإنترنت، التي كانت آخر وسيلة ممكنة للفتيات للتعلم.
الإعلام تحت القيد
تحت حكم طالبان، لم يعد الإعلام صوتًا للناس، بل بات حقل ألغام، حيث فرضت الحركة لوائح صارمة على وسائل الإعلام المحلية تمنع تصوير الأشخاص، وتحظر نشر أي محتوى يُعتبر “مسيئًا للإسلام”، وهي تهمة فضفاضة تُستخدم لإسكات الأصوات المعارضة.
الصحفيون الأفغان باتوا يمارسون رقابة ذاتية صارمة خوفًا من الانتقام. فالمداهمات، واعتقالات الصحفيين، ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت جزءًا من روتين العمل الصحفي.
ولم تقتصر معاناة الأفغان على داخل حدود بلادهم. إذ أطلقت دولٌ مجاورة –خصوصًا إيران وباكستان– حملات طرد شاملة، أدت إلى عودة نحو 1.9 مليون لاجئ أفغاني قسرًا إلى بلادهم منذ عام 2023.
وقد طالت هذه الحملات أفغانًا عاشوا لعقود خارج بلادهم، وبعضهم وُلدوا في تلك البلدان، ما يجعل العودة بمثابة اقتلاع قسري لحياة بأكملها.
سلسلة من الترحيلات
في يوليو 2025، قامت ألمانيا بترحيل 81 أفغانيًا إلى كابول في أول خطوة ضمن سلسلة متوقعة من الترحيلات، رغم التحذيرات الحقوقية.
وفي الولايات المتحدة، استمرت آثار سياسات إدارة ترامب ضد اللاجئين الأفغان، بعد أن تم تعليق قبول جميع اللاجئين الأفغان، وإنهاء الحماية المؤقتة، ما جعل الآلاف معرضين لخطر الترحيل، بما في ذلك إلى دول ثالثة لا تضمن حمايتهم.
ترجع جذور هذه الأزمة إلى عقود من الصراع، بدأت بالغزو السوفيتي عام 1979، تلاه صراع أهلي، ثم صعود طالبان في تسعينيات القرن الماضي، وبعد سقوط الحركة في 2001 بفعل التدخل الأمريكي، بدأت عملية بناء هشّة للدولة، لكنها اتسمت بالفساد، والانقسام السياسي، واعتماد شبه كامل على المساعدات الخارجية.
ثم جاء قرار الانسحاب الأمريكي عام 2021، الذي مثّل لحظة فارقة أدت إلى سقوط الحكومة الأفغانية بسرعة خاطفة وعودة طالبان إلى الحكم. منذ ذلك الحين، لم تعترف بها أي حكومة بشكل رسمي، لكن "الاعتراف الواقعي" يتمثل في السماح لطالبان بالسيطرة على مقاليد الدولة دون محاسبة فعلية.
صمت دولي مثير للقلق
رغم النداءات المتكررة، لا يزال المجتمع الدولي متردّدًا في إنشاء آلية مساءلة حقيقية، ففي سبتمبر 2024، جدّد ائتلاف من منظمات حقوق الإنسان الدولية دعوته إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لإنشاء آلية مستقلة للتحقيق وتوثيق الانتهاكات في أفغانستان، وهو أمر تأخر لأربع سنوات.
تقول هيومن رايتس ووتش إن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتحمل مسؤولية اقتراح هذه الآلية في الاجتماع السنوي القادم للمجلس، لضمان ألا تفلت طالبان من العقاب، وألا تتحول أفغانستان إلى "منطقة رمادية" خارج القانون الدولي.
وتُظهر الإحصائيات الأممية أن نحو 23 مليون أفغاني بحاجة إلى مساعدات غذائية، في حين يتناقص التمويل الإنساني بشكل مقلق.
ولم تُسد الفجوة التي خلفتها انسحابات الدول المانحة، ما أدى إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية، وخصوصًا بين الأطفال، كما أن النساء، اللاتي لا يستطعن التنقل بحرية، لا يحصلن على الغذاء والرعاية الصحية بسهولة.