تعز تحت النار والمرض.. تقرير حقوقي يكشف جانباً من معاناة المدنيين اليمنيين

تعز تحت النار والمرض.. تقرير حقوقي يكشف جانباً من معاناة المدنيين اليمنيين
محافظة تعز

للعام العاشر على التوالي تواصل محافظة تعز اليمنية دفع ثمن الحرب والحصار في مشهد إنساني بالغ القسوة، تتداخل فيه أصوات القصف مع أنين المرضى وصرخات المدنيين الباحثين عن الأمان، واقع قاتم كشف عنه تقرير حديث صادر عن مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، وثق خلاله صورة شاملة للتدهور الإنساني والحقوقي الذي تعيشه المحافظة خلال الربع الثاني من العام 2025، وسط حصار خانق وقصف مدفعي متواصل وتفشٍّ واسع للأمراض الوبائية.

يرسم التقرير، وفق ما أوردته شبكة أخبار اليمن الأربعاء، ملامح مدينة محاصرة منذ سنوات، حيث يعيش السكان في محافظة تعز في ظروف استثنائية فرضتها الحرب، مع إغلاق الطرق الرئيسية واستمرار القصف على الأحياء السكنية، وهذا الواقع لم يعد حدثاً طارئاً، بل تحوّل إلى نمط حياة قاسٍ يرافق المدنيين يومياً، ويؤثر في كل تفاصيل حياتهم، من الحصول على الغذاء والماء، إلى الوصول للخدمات الصحية والتعليمية.

انتهاكات جسيمة موثقة

ووفق التقرير، وثق الفريق الميداني للمركز 87 انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان خلال فترة ثلاثة أشهر فقط،  وارتكبت أغلب الانتهاكات، بحسب التوثيق، من قبل مليشيا الحوثي، وتنوعت بين القتل والإصابات والاختطافات والاعتداءات المباشرة ومحاولات الاغتيال، في مؤشر خطير على تصاعد وتيرة العنف ضد المدنيين.

سجل التقرير مقتل 10 مدنيين، بينهم طفلان وامرأتان، إضافة إلى إصابة 32 آخرين، بعضهم بإصابات بالغة تسببت بمعوقات دائمة أو بتر أطراف. هذه الإصابات نتجت عن القصف المدفعي العشوائي، والألغام الأرضية، والعبوات الناسفة التي لا تزال تحصد أرواح المدنيين وتترك آثاراً جسدية ونفسية عميقة في المجتمع المحلي.

قصف عشوائي يطارد الأحياء

وأشار التقرير المعنون: “تعز بين الأمراض والقصف والحصار” إلى تصاعد ملحوظ في القصف المدفعي العشوائي الذي استهدف أحياءً سكنية ومناطق مدنية في غرب وشرق المدينة. وشملت المناطق المتضررة أحياء الضباب وذي النورين والجحملية، إضافة إلى القرى المجاورة لمطار تعز القديم ومنطقة الصياحي، حيث سقط ضحايا من النساء والأطفال، واضطرت عائلات كثيرة إلى النزوح بحثاً عن أماكن أكثر أمناً.

لم يقتصر أثر القصف على الخسائر البشرية فقط، بل دفع عشرات الأسر إلى مغادرة منازلها تحت وطأة الخوف، تاركة خلفها ممتلكاتها وذكرياتها، حالة النزوح هذه زادت من معاناة السكان، في ظل شح الموارد وغياب المأوى الآمن، لتتحول حياة الكثيرين إلى رحلة بحث مستمرة عن النجاة.

وسلط التقرير الضوء على تدهور غير مسبوق في الخدمات الأساسية داخل تعز، حيث تعاني المدينة من انهيار شبه كامل في البنية الخدمية، وباتت أزمة المياه عنواناً يومياً لمعاناة السكان، إذ يضطر كثيرون لقطع مسافات طويلة للحصول على كميات محدودة من المياه، في وقت تتفاقم فيه أزمة الغاز المنزلي، ما يزيد من الأعباء المعيشية على الأسر المحاصرة.

أوبئة تفتك بالسكان

في موازاة القصف والحصار، حذر التقرير من تفشٍّ خطير للأمراض الوبائية، مسجلاً أكثر من 22000 إصابة بأمراض الملاريا والكوليرا وحمى الضنك وحمى وادي النيل والحصبة، إضافة إلى تسجيل 9 حالات وفاة. هذه الأرقام تعكس حجم الكارثة الصحية التي تضرب المحافظة، في ظل نظام صحي منهك يفتقر إلى الإمكانات الأساسية للتشخيص والعلاج.

أكد التقرير أن القطاع الصحي في تعز بات عاجزاً عن تقديم التدخلات الوقائية أو الاستجابة الطارئة، بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، وتضرر المرافق الصحية، وصعوبة وصول الإمدادات نتيجة الحصار. هذا العجز يترك المرضى، خاصة الأطفال وكبار السن، في مواجهة مصير مجهول، ويضاعف من مخاطر تفشي الأمراض.

اختطافات واعتداءات ممنهجة

على الصعيد الحقوقي، وثق التقرير 9 حالات اختطاف في 3 وقائع منفصلة، استهدفت معلمين ومواطنين في مديريات التعزية وماوية. وبحسب التوثيق جاءت هذه الانتهاكات على خلفيات تتعلق برفض الضحايا الانخراط في أنشطة المليشيا أو بسبب مواقفهم المعارضة لها، ما يعكس استخدام الاختطاف للقمع والترهيب.

ولم تتوقف الانتهاكات عند حدود الاعتقال، بل امتدت لتشمل اقتحام المنازل والاعتداء على النساء والأطفال، ضمن حملات انتقامية متكررة. هذه الممارسات، وفق التقرير، تعكس حالة انفلات حقوقي وغياب أي شكل من أشكال الحماية للمدنيين، في بيئة يسودها الخوف وانعدام الأمان.

كما رصد التقرير 43 حالة انتهاك بحق الممتلكات الخاصة، ارتكبتها ميليشيا الحوثي خلال الفترة ذاتها. وتوزعت هذه الانتهاكات بين تضرر 28 منزلاً بشكل جزئي، وتدمير 5 منازل بشكل كلي، إضافة إلى تضرر 6 مركبات نتيجة القصف. كما وثق التقرير حادثة اقتحام منزل والعبث بمحتوياته، إلى جانب تفجير منزل ومخزن أسلحة، ونفوق عدد من المواشي، ما فاقم الخسائر الاقتصادية للأسر المتضررة.

تعد محافظة تعز واحدة من أكثر المناطق اليمنية تضرراً منذ اندلاع النزاع المسلح قبل أكثر من 10 أعوام، حيث تعرضت لحصار طويل أدى إلى تدهور شامل في الأوضاع الإنسانية والاقتصادية، وبحسب تقارير أممية ومنظمات حقوقية، فإن استمرار القصف العشوائي واستهداف المدنيين والبنية التحتية يمثل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني الذي يفرض حماية السكان المدنيين وضمان وصولهم إلى الخدمات الأساسية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية