تحت الشمس الحارقة.. موجة حارة تحصد أرواح المئات في إسبانيا وجنوب أوروبا
تحت الشمس الحارقة.. موجة حارة تحصد أرواح المئات في إسبانيا وجنوب أوروبا
في ظهيرة يوم قائظ في مدينة باداخوز جنوب غرب إسبانيا، جلس خوان، 85 عامًا، على كرسي خشبي أمام منزله، يحاول التنفس بصعوبة في ظل حرارة تجاوزت 42 درجة مئوية، لم ينجُ، ساعات قليلة كانت كافية ليصبح أول ضحية مؤكدة لشهر أغسطس في صيف وصفته السلطات بأنه "الأقسى منذ سنوات طويلة".
لم يكن خوان الوحيد المتوفَّى في شهر يوليو، سجّلت إسبانيا وفاة 1,060 شخصًا نتيجة موجات الحر، بحسب بيانات نظام مراقبة الوفيات اليومية، بزيادة مرعبة بلغت 57% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، بحسب ما ذكرت صحيفة لاراثون الإسبانية، اليوم الثلاثاء.
ومنذ بداية 2025، قُدّرت حصيلة الضحايا بـ 3,255 وفاة مرتبطة بالحرارة؛ وهو رقم يفوق إجمالي وفيات العام الماضي، في وقت لا يزال فيه الصيف في منتصفه.
تحذيرات ومناطق برتقالية
في الوقت الذي تعاني فيه معظم مناطق شبه الجزيرة الإيبيرية من موجة حر ثانية، حذّرت وكالة الأرصاد الجوية الوطنية (AEMET) من استمرار الموجة حتى الأحد المقبل، وتخضع تسع مناطق إسبانية لتحذيرات من المستوى الأصفر والبرتقالي، في حين تُسجّل درجات حرارة تتجاوز 42 درجة مئوية.
ورغم الجهود التوعوية، تعاني الفئات الهشة –ولا سيما كبار السن ومرضى القلب والمصابين بالأمراض المزمنة– من صعوبة التأقلم مع هذا الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، وتسجل المستشفيات ارتفاعًا ملاحظًا في عدد المصابين بالإجهاد الحراري، وضربات الشمس، والاختناقات التنفسية.
تقول ماريا خيمينيث، ممرضة في وحدة الطوارئ بمشفى مدريد العام: "لم نعد نواجه فقط أزمة مناخية، بل أزمة صحية كاملة. تصلنا حالات انهيار حراري يوميًا، كثيرون يصلون بعد فوات الأوان".
حريق بالجنوب ونار بالشمال
المأساة لا تقتصر على إسبانيا وحدها، فجنوب أوروبا بأكمله يعيش حالة طوارئ مناخية. اليونان، على سبيل المثال، أعلنت الطوارئ في منطقة أتيكا القريبة من أثينا، حيث اجتاحت حرائق الغابات الضواحي منذ عطلة نهاية الأسبوع، وأجبرت أكثر من 5000 شخص على إخلاء منازلهم، وحجب الدخان الكثيف الرؤية وأوقف طائرات الإطفاء عن العمل، فيما أُحرقت منازل ومصانع بالكامل.
في تركيا، تصاعدت ألسنة اللهب في غابات البحر المتوسط. وفي إيطاليا، تكافح السلطات عشرات الحرائق في صقلية وسردينيا، وسط جفاف شديد ورياح عاتية تزيد الوضع تفاقمًا.
يقول الخبير في التغير المناخي، فرناندو غارسيا: "هذه ظواهر مناخية متطرفة، تتكرر بوتيرة متصاعدة، وتُثبت أننا نعيش مرحلة جديدة من الكوكب، حيث لم يعد الصيف عطلة، بل اختبار للبقاء".
تقليص ساعات العمل
في الأحياء الفقيرة، حيث لا توجد أجهزة تكييف أو مصادر تبريد كافية، تُصبح الحياة اليومية كابوسًا. وفي بعض المناطق الريفية، اضطر المزارعون إلى تقليص ساعات العمل أو إيقافها تمامًا خوفًا من الموت تحت الشمس.
يقول راؤول دومينغيز، مزارع في منطقة الأندلس: "الحرارة تقتل محاصيلنا وأجسادنا. لم نعد نزرع فقط.. نحن نقاتل كل يوم".
تواصل السلطات الصحية في إسبانيا بثّ التحذيرات وتوزيع الكتيّبات التي تتضمن نصائح لتجنّب ضربة الشمس، أهمها: البقاء في الظل، شرب الماء بكثرة، تجنّب الخروج في فترة الذروة، والاطمئنان على كبار السن.