الفاشر تختنق جوعاً.. سودانيون يأكلون جلود الأبقار للبقاء على قيد الحياة
الفاشر تختنق جوعاً.. سودانيون يأكلون جلود الأبقار للبقاء على قيد الحياة
تغرق مدينة الفاشر، آخر المدن الكبرى في إقليم دارفور التي ما زالت خارج سيطرة قوات الدعم السريع، في مأساة إنسانية غير مسبوقة، تحت حصار خانق ممتد منذ أكثر من عام، لم يعد في المدينة ما يُؤكل سوى جلود الأبقار القديمة التي تُشوى على نار بالكاد تشتعل.
في أحد أحياء المدينة المنهكة بالجوع، يقول صالح عبدالله، البالغ من العمر سبعة وأربعين عامًا، "شوينا جلد البقر بعد ثلاثة أيام من دون طعام"، مضيفًا بصوتٍ مبحوح "حتى الحطب لإشعال النار كان صعبًا أن نجده" بحسب وكالة "فرانس برس".
مدينة على حافة الفناء
منذ أبريل 2023 يعيش السودان على وقع حرب دامية بين الجيش النظامي بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي". لكن الفاشر، المدينة التي صمدت طويلاً وسط الفوضى، أصبحت اليوم رمزًا للجوع والبقاء المستحيل.
فبعد أن نفدت المؤن وأغلقت معظم "التكايا" التي كانت تقدّم وجبات للفقراء، لم يبقَ أمام السكان سوى علف الحيوانات الذي تحول إلى غذاء للإنسان، وحين نفد بدوره، وجد الناس أنفسهم أمام خيارٍ قاسٍ: أكل الجلود القديمة أو الموت جوعًا.
لجان المقاومة المحلية بثت مقطعًا مصورًا يُظهر قطعًا من الجلود تُشوى على نار ضعيفة، أرفقت الفيديو بعبارة تختصر المأساة: “هنا الفاشر، حيث لم يبقَ ما يؤكل سوى الجلود القديمة”.
صلاح آدم، طالب جامعي في الثامنة والعشرين من عمره، نزح إلى مركز إيواء في حي درجة أولى بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على منطقته، يقول بصوت يختلط فيه الإعياء بالحزن: "كنت أعتمد على تكية توزّع الطعام، لكنها توقفت منذ ستة أيام، أكلت مع أسرة بعض الذرة المسلوقة من دون ملح، ومنذ الأربعاء لم أتناول شيئًا".
الحصار يخنق الحياة
تُظهر صور الأقمار الصناعية، التي حللها مختبر البحوث الإنسانية في جامعة ييل الأمريكية، أن قوات الدعم السريع أقامت سواتر تمتد على نحو 68 كيلومترًا حول مدينة الفاشر، تاركة ممراً واحداً ضيقاً يعبره المدنيون مقابل المال.
هذا الحصار جعل الفاشر سجنًا كبيرًا يختنق ببطء، لا يدخل إليه طعام ولا دواء، ولا يخرج منه إلا الخوف واليأس.
إبراهيم عثمان، البالغ من العمر ستة وثلاثين عامًا، حاول الصمود طويلاً في مدينته رغم القصف، لكنه غادر أخيرًا إلى بلدة طويلة القريبة بعد أن صار الجوع أشد فتكًا من القنابل، يقول "كنت مصممًا على البقاء مهما حدث، لكن الخوف من الموت جوعًا غلبني".
مأساة ممتدة
الحرب في السودان خلفت عشرات الآلاف من القتلى ووصفتها الأمم المتحدة بأنها "أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، وأكثر من 13 مليون شخص نزحوا عن ديارهم، بينهم نحو مليون فرّوا من الفاشر وحدها.
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، تراجع عدد سكان المدينة بنسبة 62 في المئة، من أكثر من مليون نسمة إلى نحو 413 ألفًا فقط، معظمهم يعيشون في ظروف أقرب إلى المجاعة، محاصرين بين الجوع والخطر.
منذ اندلاع الصراع في أبريل 2023، تسببت المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في تدمير البنية التحتية، وتعطيل شبكات الإمداد والمساعدات الإنسانية، لا سيما في دارفور التي شهدت واحدة من أطول وأعنف موجات العنف في تاريخ البلاد، ومع استمرار الحصار على الفاشر، يخشى المراقبون أن تتحول المدينة إلى مأساة إنسانية مفتوحة، ما لم يُسمح بإدخال المساعدات فوراً وبلا عوائق.