تلوث الهواء يحصد الأرواح.. أكثر من 7 آلاف وفاة في طهران خلال عام
تلوث الهواء يحصد الأرواح.. أكثر من 7 آلاف وفاة في طهران خلال عام
سجّلت العاصمة الإيرانية طهران، خلال العام الماضي 2024، وفاة أكثر من 7,342 شخصًا بسبب التلوث الهوائي، وفق ما أعلنه مركز أبحاث جودة الهواء والتغير المناخي، وسط أزمة بيئية خانقة تتفاقم يومًا بعد يوم، وتدفع ثمنها حياة الآلاف وصحة الملايين.
تزامن الإعلان مع استمرار الموجة الأخيرة من التلوث، والتي تُعد من بين الأشد منذ سنوات، في حين تتوقع هيئة الأرصاد الجوية هبوب رياح مُحمّلة بالغبار خلال الأيام القادمة، ما ينذر بمزيد من التدهور في جودة الهواء، بحسب ما ذكرت شبكة "إيران إنترناشيونال"، اليوم الخميس.
وأكّد عباس شاهسوني، نائب مدير مركز أبحاث جودة الهواء والتغير المناخي، لوكالة "إيلنا"، أن العدد الكبير للوفيات يرتبط مباشرة بالتعرض طويل الأمد للجسيمات العالقة الدقيقة، التي تغزو رئات السكان دون أن تُرى.
وكشف شاهسوني أن هذه الوفيات رُصدت من خلال دراسة أُجريت في جامعة "شهيد بهشتي"، وأظهرت زيادة بنسبة 1% عن وفيات عام 2023، ما يُشير إلى اتساع الكارثة رغم التحذيرات المتكررة.
ولا يقتصر الضرر على الأرواح، إذ قُدّرت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تلوث الهواء في إيران بنحو 23 مليار دولار خلال العام ذاته، ما يجعل التلوث أزمة وطنية متكاملة الأبعاد: صحية، اقتصادية، وبيئية.
أرقام تنذر بالخطر
سجّلت طهران منذ بداية عام 2024 وحتى 6 أغسطس الجاري، 6 أيام فقط من الهواء النظيف، في حين توزعت باقي الأيام بين هواء "صحي" في 75 يومًا، و"غير صحي للفئات الحساسة" في 39 يومًا، و"غير صحي لجميع الفئات" في 5 أيام، و"خطِر للغاية" في 3 أيام.
وأشار شاهسوني إلى أن متوسط تركيز الجسيمات العالقة ارتفع إلى 33 ميكروغرامًا لكل متر مكعب، مقابل 31 ميكروغرامًا في عام 2023، وهو ما تجاوز بشكل واضح إرشادات منظمة الصحة العالمية، التي لم تتحقق في طهران سوى خلال 15 يومًا فقط على مدار العام.
وتعني هذه الأرقام أن أكثر من 300 يومًا من السنة كان الهواء فيها ملوثًا بدرجات متفاوتة، ما يُحوّل التنفس في طهران إلى خطر يومي، خاصة للفئات الضعيفة مثل الأطفال والمسنين ومرضى القلب والرئة.
الغبار يزيد المعاناة
توسّعت رقعة الأزمة إلى مدن ومحافظات أخرى، حيث أُعلنت حالة "الخطورة على جميع الفئات" في مدينتي عبادان ودزفول بمحافظة خوزستان في 5 أغسطس، في حين سُجّل تلوث الهواء في 17 مدينة أخرى في المحافظة نفسها.
كما توقّعت هيئة الأرصاد الجوية في طهران هبوب رياح قوية نسبيًا على مدار الأيام الخمسة القادمة، ما سيؤدي إلى رفع أو نقل الغبار من المحافظات المجاورة، وتدهور جودة الهواء أكثر، مع انخفاض الرؤية الأفقية، وزيادة الضغط على المستشفيات.
ويخشى المواطنون عودة "أيام الرماد"، التي يضطر فيها السكان إلى البقاء في منازلهم، مع إغلاق المدارس وتعليق الأنشطة الخارجية، في وقت لا تزال فيه الإجراءات الحكومية لمعالجة الأسباب الجذرية محدودة وضعيفة التأثير.
50 ألف وفاة سنوياً
كشف محمد صادق حسنوند، رئيس مركز أبحاث تلوث الهواء في جامعة العلوم الطبية بطهران، في تصريحات سابقة، أن نحو 50 ألف شخص يموتون سنويًا في إيران بسبب تلوث الهواء، من أصل 450 ألف وفاة عامة تُسجّل في البلاد سنويًا.
وتُشير الإحصاءات إلى أن التلوث كان السبب وراء الوفاة المبكرة لأكثر من 30 ألف شخص في 57 مدينة كبرى، يُقدّر سكانها بـ48 مليون نسمة.
ورغم ضخامة هذه الأرقام، لا يزال هذا "القاتل الصامت" يُواجه بسياسات غير كافية، وسط تكرار الإشارة إلى الأسباب المعروفة التي تُغذي الأزمة، وهي، حرق المازوت في محطات الطاقة، استخدام بنزين منخفض الجودة، والسير بمركبات قديمة ومتهالكة تفتقر لأي معايير للسلامة البيئية.
حقوق الإنسان في خطر
لا تقتصر تداعيات تلوث الهواء على المسائل البيئية والصحية، بل تتجاوزها إلى ملف حقوق الإنسان الأساسية، حيث باتت الحق في الحياة والصحة والبيئة السليمة مهددة بوضوح، وفق ما تحذر منه منظمات دولية كمنظمة الصحة العالمية، ومنظمات حقوق الإنسان.
ويؤكد ناشطون بيئيون أن استمرار تجاهل الأزمة، أو تسييسها، يعني تفشي تداعياتها بشكل أوسع، خاصة في ظل تزايد السكان، وغياب البنية التحتية النظيفة، والتأخر في التحول إلى الطاقة المتجددة.
ويطالب السكان، والمنظمات المدنية، الحكومة الإيرانية بوضع خطة طارئة وشاملة لمعالجة التلوث، تتضمن تطوير وسائل النقل العام المستدام، فرض معايير صارمة على انبعاثات المصانع، حظر المازوت في المناطق السكنية، تحسين جودة الوقود، ودعم السيارات الكهربائية
لكنّ هذه المطالب، وإن كانت معروفة، لا تزال تصطدم بتحديات اقتصادية وسياسية، في وقت يزداد فيه عدد الضحايا وتتعاظم الخسائر.