من البلقان إلى المتوسط.. كيف يختبر الجفاف قدرة أوروبا على الصمود؟
من البلقان إلى المتوسط.. كيف يختبر الجفاف قدرة أوروبا على الصمود؟
في يوليو سجل مرصد الجفاف الأوروبي رقماً لافتاً وكان أكثر من نصف أراضي أوروبا وسواحل البحر المتوسط تحت وطأة الجفاف، وهو أعلى مستوى لمدى الجفاف في الشهر نفسه منذ بدء الرصد عام 2012، وامتد هذا الانزلاق لعدة أشهر متتالية منذ أبريل، ليحوّل مشكلة سنوية موسمية إلى حدث مناخي واسع التأثير يضر بالمحاصيل والموارد المائية ويزيد ضعف البُنى التحتية الحضرية والريفية.
ويقيس مرصد برنامج كوبرنيكوس للجفاف المؤشرات الثلاثة الأساسية: كميات الهطول، ورطوبة التربة، وحالة الغطاء النباتي، ثم يصدر تصنيفات من المراقبة إلى التحذير والإنذار، أظهرت خرائط المرصد اتساعاً غير مسبوق لمنطقة الإنذار والتنبيه، مع شدّةٍ في أوروبا الشرقية والبلقان حيث قفزت مناطق الإنذار في دول مثل المجر وكوسوفو والبوسنة بنسب كبيرة خلال يوليو.
وفي المقابل، تبدّلت صورة غرب أوروبا بين بقع جافة وأخرى تبدو أقل تأثراً، لكن ذلك لم يمنع تسجيل حرائق وغرامات عواقب واسعة.
موجات حر وحرائق
ترافقت موجات الحر مع اندلاع حرائق واسعة، وأبلغت السلطات الفرنسية عن حريق هائل في إقليم أود جنوبي فرنسا أتى على نحو 13 ألف هكتار وأجبر آلاف السكان على الإخلاء، في مشهد يعكس التحول في سلوك الحرائق الموسمية نحو حوادث أكثر ضراوة ومضاعفة الأثر، وضربت حرائق مماثلة اليونان وتركيا وإسبانيا، مضيفة ضغوطا على أجهزة الطوارئ والموارد المائية والاقتصاد المحلي.
الجفاف يقلص غلات الحبوب ويضعف المراعي ويخفض مخزون المياه في السدود والأنهار، ما يؤثر على إنتاج الغذاء والطاقة الهيدروليكية والملاحة النهرية، وقد ربط تقرير للأوراق العلمية والسياسات تصاعد الخسائر الاقتصادية بالجفاف بارتفاع درجات الحرارة وتغير نمط الأمطار، ويشير إلى أن تكلفة الجفاف ستزداد إذا استمر الإخفاق في استثمارات التكيف.
في بلدان مثل المجر وسلاسل دول البلقان بدأت دعوات للحماية الطارئة للمحاصيل ووضع خطط دعم للمزارعين المتضررين.
الاحترار وتكرار موجات الحر
البيانات المناخية الأوروبية تؤكد أن الأعوام الأخيرة شهدت حرارة قياسية متزايدة، فشهر يوليو 2025 كان من بين أعلى الشهور حرارة عالمياً، ما يزيد من التبخر ويخفض رطوبة التربة ويطيل فترات الجفاف.
التغير المناخي لا يخلق الجفاف دائماً بمفرده لكنه يرفع احتمالات شدته واستمراره، ويحوّل ما كان تقلباً طبيعياً إلى تهديد منتظم للبنى الزراعية والحضرية، وفق تقارير مرصد "كوبرنيكوس".
الجفاف يضرب الفئات الضعيفة أولاً وهم المزارعون الصغار، والمجتمعات الريفية التي تعتمد على الري، ومدن سياحية تعتمد على المياه في الصيف، وانقطاع الإمداد المائي يفاقم مشاكل الصحة العامة واقتصادياً، تأثيرات الجفاف والحرائق على قطاع السياحة والتصدير الزراعي قد تمتد لسنوات، مع انعكاسات على أسعار الغذاء والتوظيف في المناطق الريفية، وتظهر تقارير دولية أيضاً أثر الجفاف على أنظمة النقل النهري وإنتاج الطاقة النووية في حالات انخفاض تدفق مياه الأنهار اللازمة للتبريد.
إشكاليات الإدارة والسياسات الحالية
الأزمة تكشف ثغرات في إدارة المياه والتخطيط الطاقي والزراعي، وبينما تتوفر أدوات مراقبة متقدمة، فإن تنفيذ سياسات تكيفية طويلة الأمد يواجه عوائق منها تمويل محدود، وأولويات سياسية قصيرة المدى، وبنى تحتية مهترئة، وممارسات زراعية غير مستدامة في بعض المناطق، فيما تحث منظمات دولية على استراتيجيات متكاملة تجمع بين ترشيد استهلاك المياه، تحديث شبكات الري، استثمار في السدود الصغيرة والاحتفاظ بالمياه، وإجراءات حماية الغابات للحد من حرائق الصيف.
وبحسب تقارير المركز المشترك للأبحاث التابع للاتحاد الأوروبي حول الجفاف يجب إبقاء أنظمة رصد الجفاف والإنذار المبكر في حالة العمل وتوسيع الوصول للبيانات إلى البلديات والمزارعين، وحماية الإمدادات المائية الحضرية عبر خطط تقنين ذكية وتأمين احتياطيات للشهور الحرجة، وكذلك تعزيز استجابة الحرائق بموارد إضافية وتمويل الوقاية طويلة الأمد في الغابات والمناطق الحرجية، ودعم المزارعين ببرامج تأمين مخاطر مرتبطة بالمناخ وانتقال تدريجي إلى محاصيل وممارسات أقل استهلاكاً للماء، إضافة إلى استثمارات استباقية في البُنى التحتية للمياه وإدارة حوض الأنهار على مستوى عابر للحدود.