إعدام متطوع طبي بالسويداء.. جريمة تهز الضمير الإنساني وسط تصاعد الانتهاكات
جريمة موثقة بالفيديو
وسط أجواء من التوتر الطائفي المتصاعد في جنوب سوريا، وثّقت لقطات مصورة مشهدًا صادمًا لإعدام متطوع طبي أعزل داخل مستشفى السويداء الوطني، في حادثة وصفتها منظمات حقوقية بأنها "جريمة حرب" وانتهاك صارخ للحماية التي يكفلها القانون الدولي للكوادر الطبية.
وفقًا لما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، تمثّل هذه المشاهد أحدث ما يعكس موجة العنف الطائفي التي اجتاحت البلاد مؤخرًا، وخلّفت أكثر من ألف قتيل خلال الشهر الماضي وحده.
قالت الصحيفة الأمريكية إنها تحققت من الفيديو عبر مطابقة تفاصيله الداخلية مع تسجيلات مصورة حديثة للمستشفى، إضافة إلى تحديد هوية أشخاص ظهروا في مقاطع أخرى.
أظهرت اللقطات، التي نشرتها مدونة "تحقق من سوريا"، رجالًا يرتدون زيًّا عسكريًا يدخلون المستشفى في 16 يوليو، بعد أيام من إرسال الحكومة السورية قوات عسكرية إلى السويداء لقمع اشتباكات بين جماعات بدوية مسلحة وميليشيات من الدروز.
لحظات ما قبل الإعدام
أظهرت اللقطات دخول المسلحين إلى المستشفى وتوجيههم حشدًا من الأشخاص، بعضهم يرتدي ملابس طبية وآخرون بملابس مدنية، نحو المدخل، أمر المسلحون الحاضرين بالركوع ورفع أيديهم، قبل أن يطلق أحدهم النار على المتطوع الطبي من بندقية، ويتبعه آخر بإطلاق النار من مسدس.
تضيف الصحيفة أن الضحية هو محمد رفيق البحصاص، مهندس كان قد تطوع للعمل كعامل صحي بالمستشفى خلال الاشتباكات، وأكد ناشطون ومراقبو حقوق الإنسان أن الفيديو يُظهر ما يبدو أنه تورط لعناصر من القوات الحكومية في إعدام مدني بإجراءات موجزة.
في تغطيتها، قالت رويترز، إن وزارة الداخلية السورية أعلنت يوم 11 أغسطس أنها تحقق في "الفيديو المقلق" الذي يُظهر رجالًا بزي عسكري يطلقون النار من مسافة قريبة على رجل أعزل يرتدي زيًّا طبيًا.
وأدانت الوزارة الحادثة "بأشد العبارات" وعيّنت نائب الوزير للشؤون الأمنية للإشراف المباشر على التحقيق، بهدف تحديد الجناة واعتقالهم في أسرع وقت.
وأوضحت رويترز أن مقطع الفيديو، الذي تحققت منه وطبيب كان شاهدًا على الواقعة، يُظهر أربعة رجال بالزي العسكري الأخضر ورجلًا يرتدي زيًّا أسود كتب على ظهره "وزارة الداخلية".
محاولات لإجباره على الجلوس
وقف هؤلاء أمام مجموعة من نحو 20 شخصًا يرتدون ملابس المستشفى، جاثين أو في وضع القرفصاء، وكان الضحية واقفًا، وظهر وهو يتعرض للصفع ومحاولات لإجباره على الجلوس، قبل أن يُطرح أرضًا ويُطلق عليه النار مرتين -الأولى من بندقية، والثانية من مسدس- بينما كان ملقى على الأرض.
وبحسب رويترز، بعد تنفيذ الإعدام، جرى سحب الضحية من قدميه، تاركًا أثرًا من الدم على أرضية المستشفى، والفيديو، الذي لا يحتوي على صوت، أظهر كذلك حديث المسلحين مع بقية المجموعة، قبل مغادرتهم الموقع.
التحقيق المبدئي لوكالة رويترز تأكد من موقع الحادث عبر مقارنة الأرضية والأبواب والجدران مع الصور المتاحة لبهو المستشفى، وأشارت بيانات كاميرات المراقبة إلى أن الواقعة حدثت في نحو الساعة 3:16 عصرًا يوم 16 يوليو.
العنف في السويداء
توضح "نيويورك تايمز" أن أحداث القتل في المستشفى جاءت في خضم واحدة من أعنف موجات العنف الطائفي منذ تولي الحكومة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، السلطة في ديسمبر الماضي، حيث اندلعت الاشتباكات في السويداء بعد تبادل للهجمات وعمليات الخطف بين جماعات بدوية مسلحة وميليشيات درزية تسيطر فعليًا على المحافظة.
ولطالما اشتبك البدو، وهم أقلية في السويداء وغالبيتهم من السنة مع الدروز حول قضايا تتعلق بحقوق الأرض والمياه.
ومع بداية التصعيد، أرسلت الحكومة قوات عسكرية قالت إنها تهدف إلى "قمع العنف"، لكن هذه القوات دخلت في قتال مباشر مع الميليشيات الدرزية، وتحولت الاشتباكات سريعًا إلى هجمات طائفية استهدفت المدنيين، ومع تعرض القوات الحكومية لغارات جوية إسرائيلية، انسحبت من مدينة السويداء.
حصيلة بشرية كارثية
وفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي نقلت عنها نيويورك تايمز ورويترز، أسفرت أعمال العنف في السويداء عن مقتل أكثر من 1000 شخص، بينما قدّر المرصد السوري لحقوق الإنسان العدد بما يصل إلى 1625 قتيلًا، بينهم أكثر من 400 أُعدموا بإجراءات موجزة، غالبية الضحايا كانوا من المقاتلين الدروز والمدنيين، فيما نزح نحو 175 ألف شخص، معظمهم من البدو، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وشددت وزارة الداخلية السورية، في بيانها، على أن "الجناة سيحاسبون ويقدمون للعدالة بغض النظر عن انتماءاتهم"، وكانت الحكومة قد شكلت الشهر الماضي لجنة للتحقيق في الهجمات على المدنيين، على أن تقدم نتائجها خلال ثلاثة أشهر.
وعلى الصعيد الدولي، اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بيانًا أعرب فيه عن "قلقه العميق" إزاء الوضع في السويداء، وشدد على ضرورة حماية جميع السوريين، محذرًا من أنه "لا يمكن أن يكون هناك انتعاش حقيقي في سوريا دون توفير الأمان والحماية الحقيقية لجميع السوريين".
اتهامات بارتكاب جرائم حرب
صرّح مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة، محمد العبد الله، عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، بأن الفيديو يوثّق "جريمة حرب" وانتهاكًا لحقوق الكوادر الطبية التي يجب أن تكون محمية بموجب القانون الدولي، وطالب بدخول لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة فورًا إلى السويداء.
تضع هذه الاتهامات الواقعة في سياق أوسع من الانتهاكات التي ارتُكبت خلال النزاعات المسلحة، خاصة تلك التي تستهدف العاملين في المجال الطبي والمرافق الصحية، وهو ما يحظره القانون الدولي بشكل قاطع.
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن الاشتباكات في السويداء هدأت نسبيًا خلال الأسبوع الماضي، لكن سكان المدينة يؤكدون أن المساعدات الإنسانية التي تصل إليهم قليلة جدًا، وأن المدينة باتت محاصرة فعليًا من قبل القوات الحكومية.
تُجمع روايتا نيويورك تايمز ورويترز على أن الفيديو الموثق لإعدام المتطوع الطبي في مستشفى السويداء يمثّل لحظة فارقة في توثيق العنف الطائفي الذي اجتاح المحافظة في يوليو، بما يحمله من أبعاد إنسانية وقانونية خطيرة، ومع وعود الحكومة السورية بالتحقيق، والضغط الدولي المتزايد، تظل أعين المراقبين والناشطين مركّزة على ما إذا كان هذا الحادث سيؤدي بالفعل إلى محاسبة الجناة أم سيضاف إلى سلسلة الانتهاكات التي طواها النسيان.