قصف طال المنازل والمساجد.. مقتل 13 سورياً جراء توغل إسرائيلي يعيد شبح الحرب إلى المنطقة
قصف طال المنازل والمساجد.. مقتل 13 سورياً جراء توغل إسرائيلي يعيد شبح الحرب إلى المنطقة
شهد الجنوب السوري فجر الجمعة تصعيدا عسكريا خطيرا بعد عملية توغل نفذتها القوات الإسرائيلية داخل قرية “بيت جن” الواقعة جنوب غرب دمشق، ما أسفر عن مقتل ثلاثة عشر شخصا وإصابة أربعة وعشرين آخرين في حصيلة وصفتها دمشق بالمذبحة وبجريمة حرب مكتملة الأركان، وتأتي هذه العملية في وقت تشهد فيه المنطقة توترا متزايدا منذ سقوط حكم الرئيس السابق بشار الأسد قبل نحو عام، ومع تصاعد تبادل الرسائل العسكرية بين أطراف محلية وإقليمية.
الاقتحام فجراً
بدأت العملية وفق شهود من داخل القرية عند الساعة الثالثة فجرا بينما كان السكان نائمين، وروى المصابون الذين نقلوا إلى مستشفى المواساة في دمشق أن أصوات الرصاص أيقظت الأهالي قبل أن تبدأ الآليات الإسرائيلية بالتقدم داخل الأزقة، تزامنا مع انتشار الجنود في محيط القرية، وذكر إياد طاهر، أحد المصابين بشظية في العنق، أن البلدة امتلأت بالمدرعات قبل أن تنسحب لاحقا، لتبدأ بعدها موجة من القصف الجوي والمدفعي طالت عددا من المنازل والمسجد، وفق فرانس برس.
وقال الجيش الإسرائيلي إن العملية جاءت بهدف اعتقال مشتبهين ينتمون إلى تنظيم الجماعة الإسلامية، وهو تنظيم ينشط في لبنان ويعد حليفا لحركة حماس، وأوضح الجيش في بيانه أن المطلوبين كانوا يخططون لعمليات وصفها بالإرهابية ضد مدنيين داخل إسرائيل وأن قواته تمكنت من اعتقال جميع المطلوبين، وأشار إلى أن اشتباكات عنيفة وقعت خلال العملية أسفرت عن إصابة ستة جنود ثلاثة منهم بجروح بالغة.
اتهامات سورية
أدانت الخارجية السورية التوغل والقصف واصفة إياهما بأنهما عدوان متعمد على الأراضي السورية، وقالت الوزارة إن ما حدث يمثل جريمة حرب وأن إسرائيل تتحمل المسؤولية الكاملة عن سقوط الضحايا، واعتبر وزير الخارجية أسعد الشيباني أن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية يشكل تهديدا خطيرا للسلم والأمن الإقليمي، داعيا المجتمع الدولي إلى موقف حاسم يضع حدا لما وصفه بالانتهاكات المتكررة.
موقف الأمم المتحدة
سجلت الأمم المتحدة حضورها في التنديد بعدما وصفت نائبة المبعوث الخاص لسوريا نجاة رشدي العملية بأنها انتهاك جسيم وغير مقبول لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، وقالت إن أعمالا كهذه تزيد من هشاشة بيئة أمنية تعاني أساسا من الانقسام والصراع وتعيد إشعال التوتر في منطقة لم تتعافَ بعد من آثار حرب استمرت أكثر من عقد.
شهادات من داخل القرية
أفاد مختار بيت جن عبد الرحمن الحمراوي بأن الجيش الإسرائيلي توغل بهدف اعتقال ثلاثة شبان من أبناء القرية، لكن السكان حاولوا التصدي للعملية ما أدى إلى اندلاع اشتباكات، وأضاف أن القوات الإسرائيلية استخدمت الطائرات المسيرة والمدفعية في قصف مناطق عدة داخل القرية خلال انسحابها، كما تحدث السكان عن ممارسات مشابهة وقعت قبل أشهر، إذ تتهم سوريا القوات الإسرائيلية بخطف سبعة أشخاص من القرية في الثاني عشر من يونيو الماضي، بينما قال الجيش الإسرائيلي حينها إنه اعتقل عناصر ينتمون إلى حماس كانوا يخططون لعمليات تستهدف الإسرائيليين.
وفي المستشفى تحدث رضوان عثمان وهو أحد المصابين عن تفاصيل الاقتحام قائلا إن دخول القوات الإسرائيلية أصبح حدثا متكررا يثير غضب السكان الذين لا يقبلون الاعتداء على منازلهم فجرا، وأضاف أن المقاومة بالنسبة لهم ليست خيارا سياسيا بقدر ما هي محاولة لحماية الذات والعائلات.
أما أحمد كمال الذي فقد شقيقه في الاشتباكات فقد قال إن العائلة حاولت صد الاقتحام لمنع اعتقال المزيد من الشباب، مؤكدا أن شقيقه قتل أثناء دفاعه عن منزله، وروى أن عشرات المسلحين من سكان القرية حاولوا الانتشار في محيط المنازل لمنع القوات الإسرائيلية من التوغل، لكن القصف المفاجئ أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا خلال وقت قصير.
التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري
لم تكن عملية “بيت جن” الأولى من نوعها، إذ نفذت إسرائيل خلال الأشهر الماضية مئات الضربات الجوية داخل سوريا مستهدفة مواقع عسكرية تابعة للنظام السابق أو جماعات تقول إنها موالية لإيران، وبعد سقوط حكم الأسد في ديسمبر من العام الماضي، كثفت إسرائيل عملياتها العسكرية لمنع السلطات السورية الجديدة من السيطرة على ما وصفتها بترسانة الأسلحة الثقيلة التي كانت بيد النظام السابق.
كما أعلنت إسرائيل مرارا تنفيذ عمليات برية محدودة داخل الأراضي السورية بذريعة ملاحقة عناصر وصفتهم بالإرهابيين، وغالبا ما كانت القوات الإسرائيلية تتوغل داخل المنطقة العازلة في الجولان التي أنشئت بموجب اتفاق فض الاشتباك لعام 1974.
تداعيات إنسانية
دفعت وتيرة القصف والاشتباكات عشرات العائلات إلى النزوح من القرية، ووفق مصادر محلية غادرت العديد من الأسر باتجاه مناطق أكثر أمنا داخل ريف دمشق وبلدات أخرى قريبة، وسط مخاوف من موجة نزوح ثانية إذا ما تكررت العمليات العسكرية.
وأعادت عملية “بيت جن” الإسرائيلية فتح النقاش حول مستقبل الجنوب السوري في ظل غياب استقرار سياسي واضح، فالمنطقة عانت سنوات طويلة من المواجهات التي خلفت دمارا واسعا ونزوحا متكررا، ومع كل عملية جديدة تتجدد المخاوف من انهيار الأمن الهش الذي تحاول السلطات الجديدة فرضه بعد سقوط النظام السابق.
كما يرى مراقبون أن التداخل بين حسابات القوى المحلية والإقليمية في الجنوب السوري يفاقم هشاشة الوضع، إذ تنظر إسرائيل إلى المنطقة على أنها نقطة تهديد بسبب وجود جماعات مسلحة مرتبطة بمحور المقاومة، بينما تعتبر دمشق أن التوغلات الإسرائيلية انتهاك مباشر لسيادتها وتهديدا لاستقرار البلاد.
يشكل الجنوب السوري إحدى أكثر المناطق حساسية في الصراع السوري الممتد لأكثر من أربعة عشر عاما، فالقرب الجغرافي من إسرائيل ومنطقة الجولان المحتل يجعل أي تحرك داخل هذه المنطقة مرتبطا مباشرة بحسابات أمنية إقليمية، ومنذ عام 1967 تحتفظ إسرائيل بسيطرتها على الجولان، بينما يظل اتفاق فض الاشتباك الموقع عام 1974 الإطار المنظم للعلاقة العسكرية بين الجانبين، ومع انهيار النظام السابق في دمشق نهاية عام 2024 دخل الجنوب مرحلة جديدة من السيولة الأمنية، حيث تعددت القوى المحلية وتزايدت الاحتكاكات مع القوات الإسرائيلية. وتشير تقارير دولية إلى أن إسرائيل نفذت منذ عام 2021 أكثر من 500 ضربة جوية داخل سوريا استهدفت مواقع مرتبطة بإيران أو بحزب الله أو وحدات عسكرية تابعة للنظام السابق.











