اللاذقية تحترق مجدداً.. "حرائق ريف جبلة" تضاعف معاناة سوريا الإنسانية

اللاذقية تحترق مجدداً.. "حرائق ريف جبلة" تضاعف معاناة سوريا الإنسانية
حرائق اللاذقية

في مشهد مؤلم اعتاده السوريون خلال السنوات الأخيرة، اندلعت حرائق واسعة في ريف جبلة بمحافظة اللاذقية، امتدت من سهل الغاب في ريف حماة وصولاً إلى قرى بيت ياشوط وعين الشرقية، وهرع الأهالي، ومعهم فرق الدفاع المدني السوري ومتطوعون، هرعوا للتصدي للنيران بأدوات بدائية وصهاريج مياه محدودة، في محاولة يائسة لوقف تمدد اللهب وسط الغابات الكثيفة والمعمرة.

يقول علي صبوح، أحد أبناء المنطقة، إن "شبان القرى تركوا أعمالهم للانخراط في جهود الإطفاء بما توفر من معاول وأدوات، فالغابة ليست مجرد أشجار، إنها مصدر رزق وحياة لأهل القرى"، وفق تقرير للتلفزيون السوري.

اتساع رقعة النيران وتحديات الإطفاء

مع ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة سرعة الرياح، وصعوبة التضاريس الجبلية، اتسعت رقعة الحرائق لتشمل مناطق كسب واليمضية شمالي اللاذقية قرب الحدود التركية، الدفاع المدني نشر صوراً من قلب الحرائق في بروما وارا بجبل الأكراد، حيث يواجه عناصره والمتطوعون صعوبات جسيمة.

إبراهيم الحسين، مسؤول برنامج البحث والإنقاذ والإطفاء في الدفاع المدني، أكد أن "موجة الحرائق المتكررة لا تهدد فقط الغطاء النباتي، بل تضعف قدرة سوريا على مواجهة مواسم الجفاف وتفاقم أزمة المناخ المحلية".

خسائر بيئية وزراعية فادحة

تقرير منظمة الزراعة والتنمية الريفية الصادر الشهر الماضي رسم صورة مقلقة حيث سجل أن أكثر من 10 آلاف هكتار من الأراضي الحرجية والزراعية التهمتها النيران في ريف اللاذقية، أي ما يعادل نحو 100 كيلومتر مربع. بذلك فقدت سوريا أكثر من 3 في المئة من غطائها الحراجي خلال موسم واحد فقط.

النيران امتدت إلى 28 موقعاً، دمرت غابات ومزارع، وألحقت أضراراً مباشرة بمنازل في قرى بيت عيوش والمزرعة وسبورة والبسيط، أكثر من 1120 شخصاً اضطروا لمغادرة بيوتهم، فيما يقدَّر عدد المتضررين بنحو 5 آلاف، بينهم مرضى وكبار سن وأطفال يعانون من مشكلات تنفسية زادتها كثافة الدخان الذي وصل إلى حماة وجنوب إدلب.

موسم حرائق متكرر

حرائق الغابات في الساحل السوري ليست جديدة. فمنذ عام 2019، شهدت محافظتا اللاذقية وطرطوس حرائق واسعة التهمت آلاف الهكتارات، لكن عام 2020 كان الأكثر كارثية، حين قُتل العشرات ونزح الآلاف جراء موجة حرائق غير مسبوقة، وربطت التقارير الأممية ربطت تلك الموجات بعوامل متداخلة منها تغيّر المناخ، والإهمال الحكومي في إدارة الموارد الطبيعية، وضعف البنية التحتية للإطفاء، واليوم ومع تراكم الجفاف وارتفاع درجات الحرارة العالمية، تتكرر المأساة بصورة أشد.

حياة تتفحم مع الأشجار

لا تقف الخسائر عند حدود الغابات والأراضي الزراعية، حيث فقد سكان القرى مصادر دخلهم الأساسية، من الزيتون والحمضيات والحطب، في بلد يرزح تحت أزمات اقتصادية خانقة، وكثيرون فقدوا منازلهم أو نزحوا إلى مناطق مجاورة، ليضيفوا فصلاً جديداً إلى معاناة النزوح السوري المستمرة منذ أكثر من عقد.

الأضرار الصحية تتفاقم أيضاً، فقد أشارت تقارير محلية إلى ارتفاع نسب حالات الاختناق في القرى القريبة، وخصوصاً بين الأطفال والمسنين.

ردود الفعل المحلية والدولية

على المستوى المحلي، ظهرت موجة تضامن شعبي كبيرة، حيث أسهم متطوعون من مناطق مجاورة في إطفاء الحرائق، لكن الأصوات الناقدة تساءلت عن غياب خطط حكومية استباقية، وعن ضعف الإمكانيات التقنية لدى فرق الإطفاء، مقارنة بحجم الكارثة.

دولياً، شددت منظمات بيئية على أن تكرار الحرائق في سوريا يعكس هشاشة الأنظمة البيئية في الشرق الأوسط ككل، حيث أدت سنوات الحرب إلى تدمير البنى التحتية البيئية وإهمال إدارة الغابات، وأكدت تقارير أممية حديثة أن سوريا فقدت منذ عام 2011 أكثر من 20 في المئة من غاباتها بفعل الحرب والحرائق والتوسع العمراني.

أبعاد قانونية وحقوقية

تتداخل الأزمة البيئية مع الحقوق الأساسية للإنسان، فوفق القانون الدولي للبيئة تتحمل الحكومات مسؤولية حماية الغابات بوصفها "إرثاً طبيعياً عاماً" يخص الأجيال المقبلة، وفي السياق السوري طالبت منظمات حقوقية الأمم المتحدة بدعم برامج عاجلة لتعزيز قدرات الإطفاء، معتبرة أن "الإخفاق في حماية المدنيين وبيئتهم يمثل شكلاً من أشكال الإهمال الذي يتقاطع مع انتهاك الحق في الحياة والصحة".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية