عبر التشويه والإسكات.. توثيق نمط جديد لاستهداف الصحفيين في غزة

عبر التشويه والإسكات.. توثيق نمط جديد لاستهداف الصحفيين في غزة
الصحفي أنس الشريف- أرشيف

كشفت أستاذة الصحافة بجامعة سيتي سانت جورج وعضو مجلس إدارة سكوت ترست، جين مارتينسون، أن إسرائيل تمنع الصحفيين الدوليين من دخول غزة وتشوِّه سمعة الصحفيين المحليين، مهددة حياتهم وحرية عملهم، معتبرة أن هؤلاء الصحفيين يمثلون العيون الوحيدة للعالم الخارجي على الإبادة الجماعية المستمرة.

وأوضحت مارتينسون أنها وثّقت في يناير 2025 صورة للصحفي أنس الشريف وهو يُرفع في الهواء بعد خلع خوذته وسترته الواقية احتفالًا بوقف إطلاق نار قصير في غزة، بعد أن غطّى أخبار المجاعة في بلدته التي تحولت إلى منطقة حرب، وانهار أثناء توثيق معاناة المدنيين، قال له أحد المارة: "استمر يا أنس، أنت صوتنا".

بعدها واصل الجيشُ الإسرائيلي استهداف الشريف مدعيًا أنه كان يقود خلية إرهابية تابعة لحماس ومسؤول عن شن هجمات على المدنيين، رغم ظهوره المتكرر على الهواء ونفيه المستمر هذه الاتهامات، ولم تجد أي من منظمات الدفاع عن حرية الصحافة –لجنة حماية الصحفيين، الاتحاد الدولي للصحفيين، ومراسلون بلا حدود، والوكالات الخاصة التابعة للأمم المتحدة– أي دليل على صحة هذه الادعاءات.

وأعلنت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحرية الرأي والتعبير إيرين خان أن إسرائيل تمنع الصحفيين الدوليين من دخول غزة وتشوّه سمعة الصحفيين المحليين، مهددة حياتهم وحرية عملهم، معتبرة أن هؤلاء الصحفيين يمثلون العيون الوحيدة للعالم الخارجي على الإبادة الجماعية المستمرة.

وأكدت لجنة حماية الصحفيين في أغسطس 2024 ضرورة الكف عن توجيه اتهامات إرهابية بلا أساس لتبرير قتل الصحفيين الفلسطينيين.

إحصاءات مروعة

أحصت منظمة “مراسلون بلا حدود” وفاة 67 صحفيًا حول العالم عام 2025، نصفهم تقريبًا في غزة، بينما أفاد الاتحاد الدولي للصحفيين بمقتل 111 صحفيًا، ما يجعل غزة واحدة من أخطر المناطق للصحفيين.

قُتل أنس الشريف وستة صحفيين آخرين في أغسطس 2025 خلال هجوم مباشر على خيمة إعلامية بجوار مستشفى الشفاء، نشر الشريف رسالة بعد وفاته قال فيها: "إذا وصلتكم هذه الكلمات، فاعلموا أن إسرائيل نجحت في قتلي وإسكات صوتي".

أخبرت مديرة منظمة "مراسلون بلا حدود" في المملكة المتحدة فيونا أوبراين أن قضية الشريف تمثل مثالًا صارخًا على محاولة تشويه سمعة الصحفيين الفلسطينيين دون أي دليل موثوق، وأضافت أن الحظر الدولي على دخول الصحفيين الدوليين إلى غزة يُصعّب سرد القصص الإنسانية ويتيح تشويه سمعة الصحفيين المحليين.

وذكّر المدير التنفيذي لمؤسسة روري بيك الخيرية جون ويليامز بأن الصحفيين الفلسطينيين في غزة كانوا عيون وآذان العالم، وقد دفعوا ثمنًا باهظًا، مضيفًا أن من لم يكن صحفيًا في البداية حمل كاميرته بعد سقوط زميله وواصل التغطية.

وأخبر رئيس قسم الاتصالات الدولية في قناة الجزيرة عبد الله علي أن القناة تمكنت من استبدال جميع الصحفيين الذين قُتلوا بصحفيين فلسطينيين آخرين، ونقلت عائلة الشريف إلى الدوحة في ديسمبر 2025.

نداءً عاجلاً

أطلقت منظمات حرية الصحافة العالمية، بقيادة منظمة “مراسلون بلا حدود” وشبكة آفاز العالمية للنشاط الحقوقي، نداءً عاجلاً للتحرك مع تزايد أعداد الصحفيين الفلسطينيين الذين قُتلوا على يد إسرائيل في غزة.

طالب النداء الحكومات بوقف الاعتداءات على الصحفيين والسماح للصحافة الأجنبية بالدخول إلى غزة، وكذلك استضافة الصحفيين الفلسطينيين الذين يغطون الأحداث تحت تهديد مستمر.

انضم إلى النداء أكثر من 250 منظمة من 50 دولة، من بينها الإذاعة الوطنية العامة (NPR)، ومجلة كولومبيا للصحافة، وصحيفة الإندبندنت، وصحيفتا لا كروا ولومانيتيه، وقناة الجزيرة، وموقع رابلر في الفلبين.

جاء ذلك بعد عمليتي اغتيال صحفيين في غزة؛ الأولى استهدفت أنس الشريف وخمسة آخرين، والثانية استهدفت خمسة صحفيين أثناء تغطية غارة إسرائيلية على مستشفى.

من جانبه، أشار مركز أبحاث حقوق الإنسان (HRRC) إلى أن الصحفيين الفلسطينيين يواجهون المجاعة والنزوح وفقدان أفراد العائلات والتهديد بالقصف الإسرائيلي المباشر، بما في ذلك الهجمات التي تُتهم إسرائيل بأنها تستهدفهم دون تقديم دليل، ما جعل غزة الصراع الأكثر دموية للصحفيين على الإطلاق.

هجمات دموية

وأكدت منظمة “مراسلون بلا حدود” أن إسرائيل مسؤولة عن نصف الصحفيين الذين قُتلوا عام 2025، حيث قُتل 29 صحفيًا فلسطينيًا في غزة؛ الهجوم الأكثر دموية كان الضربة المزدوجة على مستشفى جنوب غزة في 25 أغسطس، ما أسفر عن مقتل خمسة صحفيين، بينهم صحفيان يعملان لدى وكالتي رويترز وأسوشيتد برس.

وأحصى التقرير السنوي أيضًا إجمالي عدد الصحفيين المحتجزين بسبب عملهم حتى الأول من ديسمبر 2025، وبلغ 503 صحفيين في 47 دولة، أبرزها الصين (121) وروسيا (48) وميانمار (47).

وأشار التقرير إلى أن أوكرانيا والسودان من أخطر الدول على الصحفيين، بينما كان إجمالي القتلى العالمي عام 2025 أقل بكثير من ذروة 2012 التي بلغت 142 قتيلًا.

ونبه مركز أبحاث حقوق الإنسان (HRRC) إلى أن استمرار قتل الصحفيين الفلسطينيين يُظهر إفلات إسرائيل من العقاب، مقارنة بعمليات قتل الصحفيين في مناطق أخرى مثل أوكرانيا، محذرًا من أنه "لن يبقى قريبًا أحدٌ ليُطلعكم على الأخبار".

الإفلات من العقاب

طالب مركز أبحاث حقوق الإنسان (HRRC) في 4 سبتمبر 2025، انضمامه إلى نداء منظمة “مراسلون بلا حدود” و271 وسيلة إعلام عالمية، الحكومات بالتحرك لحماية الصحفيين الفلسطينيين وإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضدهم.

وشدد النداء على السماح للصحفيين الأجانب بالدخول إلى غزة، وهو ما مُنع إلا في حالات نادرة تحت حراسة القوات الإسرائيلية، وكذلك استضافة الصحفيين الفلسطينيين في بلدان أخرى عند الحاجة.

وأوضح مركز أبحاث حقوق الإنسان أن الاستهداف المتعمد للصحفيين جريمة حرب، مؤكداً ضرورة تحرك المجتمع الدولي فورًا لضمان حق الصحفيين في نقل الحقيقة وحماية حياتهم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية