رفضاً للتواطؤ.. موظفو مايكروسوفت يعتصمون احتجاجاً على التعاون مع الجيش الإسرائيلي

رفضاً للتواطؤ.. موظفو مايكروسوفت يعتصمون احتجاجاً على التعاون مع الجيش الإسرائيلي
مقر شركة مايكروسوفت بالولايات المتحدة الأمريكية - أرشيف

شهد المقر الرئيسي لشركة مايكروسوفت في ريدموند، واشنطن، احتجاجات لافتة بعدما احتل العشرات من موظفيها الحاليين والسابقين الساحة الشرقية، رفضًا لما كشفته تقارير إعلامية عن استخدام الجيش الإسرائيلي لخدمات الشركة السحابية في عمليات المراقبة ضد الفلسطينيين، وهو ما فتح الباب أمام الجدل حول الدور الذي تلعبه كبرى شركات التكنولوجيا في النزاعات المسلحة، وما يترتب على ذلك من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.

وتقرير صادر عن "الغارديان" البريطانية، اليوم الأربعاء، إضافة إلى تقارير من "ذا فيرج" الأمريكية ومنصة "بي سي غيمر"، ألقى الضوء على تفاصيل العلاقة بين مايكروسوفت ووحدة المراقبة العسكرية الإسرائيلية 8200، وما ترتب على ذلك من ردود فعل غاضبة من الموظفين، ومن دعوات لمقاطعة منتجات الشركة على خلفية اتهامات بالتواطؤ في "جرائم حرب وإبادة جماعية".

بحسب ما نشرته "الغارديان"، فقد احتل العشرات من موظفي مايكروسوفت المقر الشرقي للشركة في ريدموند، وأعلنوا الساحة "منطقة حرة"، رافعين لافتات كتب عليها: "انضموا إلى انتفاضة العمال – لا للعمل من أجل الإبادة الجماعية" و"ساحة شهداء الأطفال الفلسطينيين"، جاء ذلك بعد ثلاثة أشهر من إعلان مايكروسوفت فتح تحقيق مستقل في استخدام برنامجها السحابي Azure من قِبل الجيش الإسرائيلي.

وقالت الصحيفة إن الاحتجاجات قادتها مجموعة أطلقت على نفسها اسم "لا لاستخدام Azure من أجل الإبادة الجماعية"، وطالبت بإنهاء جميع استثمارات مايكروسوفت في إسرائيل.

ومن أبرز المواقف التي سبقت الاحتجاج، ما قام به الموظف جو لوبيز حين قاطع خطاباً للرئيس التنفيذي ساتيا ناديلا في مؤتمر المطورين السنوي، صارخاً: “ساتيا، ما رأيك أن تُظهر كيف تقتل مايكروسوفت الفلسطينيين؟”

ولم يغب الحس الحقوقي عن الحراك، فقد أوضح الموظف السابق حسام نصر، الذي طُرد من عمله بعد تنظيم وقفة تضامنية مع فلسطين، أن اغتيال الصحفي البارز في قناة الجزيرة أنس الشريف دفعه شخصياً لتصعيد تحركاته.

وقال: "شاهدته يُغطي أخبار غزة بلا هوادة خلال المجاعة والقصف.. لقد استُهدف عمداً"، وأضاف أن ذلك تزامن مع تقرير "الغارديان" الذي كشف عن تخزين بيانات مراقبة جماعية للفلسطينيين على خوادم Azure.

الأمور تزداد سوءاً

من جانبها، عبّرت نسرين جرادات، الموظفة في مايكروسوفت، عن غضبها: "في كل ثانية ننتظرها، تزداد الأمور سوءاً في فلسطين.. يتعرض المزيد من الناس للجوع والتشويه.. حان وقت التصعيد".

انتهت الفعالية بعد نحو ساعتين حين تدخلت الشرطة، مهددة المتظاهرين بالاعتقال بتهمة التعدي على ممتلكات الغير، وقال متحدث باسم مايكروسوفت إن الشركة أجرت مراجعات ولم تجد "أي دليل على استخدام Azure أو تقنيات الذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت لاستهداف أو إيذاء أشخاص في النزاع في غزة".

أما موقع "ذا فيرج" فقد وصف المشهد في ريدموند بتفصيل أكبر، مشيراً إلى أن حوالي 50 شخصاً شاركوا في بداية الفعالية، حيث أقاموا خياماً ولوحات فنية لتخليد ضحايا غزة، بينها أكفان رمزية ولوحة كبيرة كتب عليها "أوقفوا تجويع غزة"، كما نصبوا "طاولة مفاوضات" وطالبوا مديري مايكروسوفت بالجلوس لإنهاء الشراكة مع الجيش الإسرائيلي.

وقالت المجموعة المنظمة التي تحمل اسم "لا لـAzure للفصل العنصري"، وهي فرع من منظمة أوسع تُعرف بـ"لا للتكنولوجيا من أجل الفصل العنصري"، قالت في بيانها إن هذه الخطوة تمثل "أكبر تصعيد يستهدف مايكروسوفت حتى الآن".

استند البيان إلى التحقيق المشترك الذي أجرته "الغارديان" مع مجلة "+972" وموقع "لوكال كول"، والذي كشف أن إسرائيل سعت لتخزين ما يصل إلى "مليون مكالمة في الساعة" أجراها فلسطينيون، وأن هذه البيانات أثرت بشكل مباشر على العمليات العسكرية في غزة والضفة الغربية.

حملت الوثائق التي وزعها النشطاء على الموظفين عنوان: "لن نكون أدوات في آلة الإبادة الجماعية الإسرائيلية: دعوة لانتفاضة عمالية"، وطالبت مايكروسوفت بقطع جميع علاقاتها مع إسرائيل، بإنهاء سياسات التمييز ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين في بيئة العمل، وتعويض الفلسطينيين عن الأضرار.

كما دعت الوثيقة الموظفين إلى الاحتجاج والإضراب، وحثت العاملين في شركات أخرى على الضغط على إداراتهم لقطع أي علاقات مع مايكروسوفت أو إسرائيل.

وأشار "ذا فيرج" إلى أن مايكروسوفت واجهت موجة من الاعتراضات الداخلية المتكررة، ففي أبريل، قاطع مهندسان في الشركة، أحدهما خلال خطاب الرئيس التنفيذي مصطفى سليمان والآخر أثناء كلمة ساتيا ناديلا، مطالبين بوقف التعاون مع الجيش الإسرائيلي، وهو ما أدى إلى إنهاء مهامهما.

كما أُفيد بأن الشركة بدأت بحجب رسائل بريد إلكتروني تحتوي على كلمات مثل "فلسطين" و"غزة" و"إبادة جماعية".

وحدة 8200 ومايكروسوفت

من جانبها، نشرت مجلة "بي سي غيمر" تفاصيل معمقة عن طبيعة التعاون بين مايكروسوفت والجيش الإسرائيلي، مستندة إلى تقرير مشترك مع الغارديان و+972 و"لوكال كول".

وذكرت المجلة أن التحقيق أجرى مقابلات مع 11 مصدراً من مايكروسوفت ووحدة 8200، وكشف أن مايكروسوفت وفرت نسخة مخصصة من خدمات Azure لتخزين بيانات ضخمة من شبكة اتصالات فلسطينية، تشمل ملايين الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية الكاملة، وأكدت المصادر أن هذه البيانات استُخدمت لابتزاز الفلسطينيين واعتقالهم، وحتى لتبرير عمليات قتل بعد وقوعها.

كما أشار التقرير إلى أن الرئيس التنفيذي ساتيا ناديلا التقى في 2021 بالرئيس السابق للوحدة 8200، يوسي سارييل، لمناقشة المشروع، في اجتماع استمر عشر دقائق وفقاً لرواية مايكروسوفت، في حين أظهرت وثائق أخرى أن ناديلا عبّر عن "التزام كامل بالشراكة" و"توفير الموارد لدعمها".

وقالت "بي سي غيمر" إن بعض المهندسين من مايكروسوفت والوحدة 8200 عملوا معاً بشكل يومي على بناء هذه البنية التحتية، المصممة خصيصاً لتلبية احتياجات الوحدة العسكرية.

أما عن طبيعة البيانات، فقد وصفها أحد المصادر بالقول: "ليس عليك أن تكون عبقرياً لتكتشف.. إنها ملفات صوتية لمكالمات الفلسطينيين.. الأمر واضح تماماً"، وأوضح أن هذه البيانات كانت تُستخدم في اختيار أهداف القصف داخل غزة.

الضغط الاقتصادي

لم يقتصر الأمر على الاحتجاجات داخل مقرات مايكروسوفت، فقد أشارت "بي سي غيمر" إلى أن حركة المقاطعة (BDS) دعت إلى مقاطعة منصتي "إكس بوكس" و"جيم باس" وجميع الألعاب التي تنشرها مايكروسوفت، هذا يعني أن شركات ألعاب كبرى مثل "بيثيسدا"، "أكتيفجن بليزارد"، و"موجانغ" باتت مشمولة في المقاطعة.

ورغم التحديات الاقتصادية التي تمر بها الشركة بعد موجات تسريح موظفين، فإن سيطرتها على قطاع الألعاب جعلت دعوات المقاطعة مؤثرة على سمعة مايكروسوفت في هذا المجال الحيوي.

ومع تزايد الضغط الحقوقي والإعلامي، أعلنت مايكروسوفت عن فتح مراجعة داخلية تضمنت مقابلات مع عشرات الموظفين وفحص وثائق متعددة، وخلصت الشركة، بحسب الغارديان، إلى أنها "لم تعثر على أي دليل على أن خدمات Azure استُخدمت لاستهداف الفلسطينيين"، لكن هذا النفي لم يُقنع الموظفين ولا المنظمات الحقوقية التي تؤكد أن طبيعة البيانات المخزنة لا يمكن فصلها عن الانتهاكات الميدانية.

وفي ظل تقديرات وزارة الصحة في غزة بمقتل أكثر من 62 ألف فلسطيني منذ 7 أكتوبر، بينهم آلاف الأطفال، يبدو أن الجدل حول علاقة مايكروسوفت بالجيش الإسرائيلي سيستمر طويلاً، خصوصاً مع تصاعد دعوات "انتفاضة العمال" داخل الشركة، والضغط الخارجي من حملات المقاطعة.

وما جرى في ريدموند لم يكن مجرد احتجاج عابر، بل يعكس أزمة أخلاقية وحقوقية تواجه شركات التكنولوجيا الكبرى، تؤكد أن معركة الموظفين مع إداراتهم قد تتحول إلى نقطة تحول في كيفية مساءلة الشركات عن شراكاتها العسكرية، خصوصاً حين تكون مرتبطة بانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية