شابانا محمود.. أول امرأة مسلمة من أصول مهاجرة تقود وزارة الداخلية البريطانية
شابانا محمود.. أول امرأة مسلمة من أصول مهاجرة تقود وزارة الداخلية البريطانية
في تحوّل دراماتيكي نادر، قدمت أنجيلا راينر نائبة رئيس الوزراء البريطاني استقالتها يوم الجمعة الماضي وسط ساحة وستمنستر، سببها بسيط في جوهره (خطأ في دفع ضريبة شراء عقار ثانٍ أدى إلى فاتورة متخلّفة تصل إلى ٤٠ ألف جنيه إسترليني)، لكن العواقب كانت هائلة.
في رسالة وداعية، أكدت راينر أنها تصرّفت "بحسن نية وبأمانة"، لكنها لم تستشر خبيراً ضريبياً متخصصاً كما كان ينبغي، ما وضعها في موقع يتعارض مع أدنى معايير سلوك الوزراء وقد نعتها رئيس الحكومة كير ستارمر بأنها كانت "رفيقة موثوقة"، لكنه اعتبر أن الاستقالة كانت "القرار الصحيح" رغم أسفّه الشديد وفق أسوشيتدبرس.
ولم يمضِ وقت طويل قبل أن يعلن ستارمر تعديلًا حكوميًا واسعًا، أطلق "مرحلة ثانية" من تشكيلته الوزارية برز في هذه التشكيلة تعيين ديفيد لامي نائبًا لرئيس الوزراء ووزيرًا للعدل، في حين تولّت إيفيت كوبر حقيبة الخارجية، والأبرز كان تعيين شابانا محمود وزيرة للداخلية، لتكون أول امرأة مسلمة من أصول مهاجرة تتولى هذا المنصب في تاريخ بريطانيا.
شاركت شابانا على منصة “X” تغريدة معبرة: "إنه لشرف حياتي أن أخدم البلاد وزيرة للداخلية.. أول مسؤولية لأي حكومة هي حماية مواطنيها.. سأكرّس نفسي لهذا الهدف يوميًا".
إرث مشرق وسط تحديات داكنة
ولدت شابانا في برمنغهام عام 1980 لأبوين من أصل باكستاني، قضت جزءًا من طفولتها في السعودية، ثم عادت إلى بريطانيا لتدرس القانون في جامعة أكسفورد، حيث نالت دعم ريتشي سوناك في انتخابات الطلبة.
دخلت البرلمان عام 2010 بعد أن أصبحت واحدة من أولى النساء المسلمات في مجلس العموم، شغلت مناصب عدة في حكومة الظل، ومنها وزيرة مالية الظل ووزيرة للعدل بعد فوز حزب العمال عام 2024، حيث أطلقت برامج للإفراج المبكر عن السجناء لمواجهة الاكتظاظ.
اليوم، تتولى حقيبة وزارية مهمة داخل الحكومة وهي تأمل في إحداث توازن بين "قوة السيطرة على الحدود" و"كفاءة إنسانية في إدارة الهوية الوطنية"، بوصفها جزءًا من تيار Blue Labour المحافظ اجتماعيًا. وفي إحدى كلماتها البارزة قالت: "إذا أخطأت في إكرامنا وانتهكت قوانينا، فستغادر أرضنا" بحسب "سكاي نيوز".
وتواجه شابانا في منصبها الجديد تحديات كبيرة فملف الهجرة يزداد تعقيدًا، ورهاب القنال الإنجليزي يتصاعد، والنقاش حول عصابات استغلال الأطفال لا يزال مستعرًا، في حين طُرحت تعهدات صارمة بترحيل المجرمين الأجانب والحسم المبكر في طلبات اللجوء.
شابانا محمود، تعيينها يرسم خريطة جديدة في السياسة البريطانية في نموذج للحكومة المتنوعة التي تعد بالكفاءة والقبضة الأمنية الصارمة، لكن نجاحها أو فشلها سيحدد درجة تفاعل الطبقة السياسية مع التحولات المجتمعية في بريطانيا.
الميلاد والهوية
ولدت شابانا محمود في 17 سبتمبر 1980 في مدينة برمنغهام البريطانية، وهي ابنة مهاجرين باكستانيين من منطقة ميربور في كشمير الحرة، لديها أخ توأم، وعاشت طفولتها بين السعودية (مدينة الطائف 1981–1986، حيث عمل والدها مهندساً مدنياً في مشاريع التحلية) والمملكة المتحدة
بعدما عادوا إلى بريطانيا، افتتحت والدتها متجرًا محليًا في برمنغهام، وتولى والدها منصب رئيس حزب العمال المحلي، ما رسّخ الطابع السياسي في حياة شابانا منذ صغرها، إذ كانت ترافقه في حملات انتخابية محلية.
تلقت تعليمها في كلية لينكولن – جامعة أكسفورد حيث درست القانون وتخرجت عام 2002، ثم أكملت دورة البروفشنال بار لتصبح محامية (Barrister) عام 2003.
تخصصت في قضايا المسؤولية المهنية وبدأت مشوارها في السلك القانوني قبل انتقالها إلى المجال السياسي.
انتُخبت عضوة في البرلمان عام 2010 عن دائرة "برمنغهام ليدي وود"، لتصبح واحدة من أولى النساء المسلمات في مجلس العموم، وتولّت مناصب ظل عدة، منها وزيرة مالية الظل.
انسحبت من حكومة الظل خلال عهد جيريمي كوربن، لكنها عادت لاحقًا بقوة مع قيادة كير ستارمر، ومسؤولياتها تضمنت تنسيق الحملات الانتخابية.
بعد فوز حزب العمال في 2024، أصبحت وزيرة للعدل، فأطلقت إصلاحات مثيرة للجدل مثل برامج الإفراج المبكر لتخفيف اكتظاظ السجون، في حين رفضت دمج عوامل الدين أو العرق في الأحكام القضائية.
وصفها المراقبون بأنها تمثل نموذجًا حيًا للمرأة المهاجرة التي صعدت إلى أعلى مستويات السياسة البريطانية، ناشطة بكفاءة عقلانية ومأسورة بالتزامية أخلاقية مستمدة من عقيدتها الإسلامية.