حماية الحياة أم تخفيف المعاناة.. ماذا يعني تشريع الموت الرحيم لكبار السن في بريطانيا؟

حماية الحياة أم تخفيف المعاناة.. ماذا يعني تشريع الموت الرحيم لكبار السن في بريطانيا؟
احتجاجات بشأن قضية الموت الرحيم في بريطانيا

 

 

أعاد النقاش البرلماني الأخير في بريطانيا حول مشروع قانون يسمح بالمساعدة على الوفاة للمرضى النهائيين (الموت الرحيم) تسليط الضوء على توازن هش بين مبدأ احترام اختيار الأفراد وواجب الدولة في حماية الفئات الضعيفة، ولا سيما كبار السن. 

المشروع الذي مر بمجلس العموم ويخضع الآن لمزيد من التدقيق في مجلس اللوردات يثير قلق مسؤولين بارزين، منهم وزير العدل ديفيد لامي، من أن القانون قد يتحول -عن غير قصد- إلى عامل ضغط نفسي أو اقتصادي يدفع بعض المسنين أو المرضى ذوي الحاجة إلى خيار إنهاء الحياة وفق صحيفة "الجارديان" البريطانية.

ينص مشروع القانون على تمكين البالغين المصابين بأمراض نهائية ومتوقع أن يموتوا خلال ستة أشهر من التقدم بطلب للمساعدة على إنهاء حياتهم، بعد موافقات طبية متعددة وفترة تفكير ممهلة، ويتضمن إشرافاً من لجنة خبراء، وقد يمنح البرلمان الحكومة مهلة لتنفيذ النظام، وقد لا يبدأ التطبيق قبل عام 2029 في حال إقراره نهائياً، كما أن نصوص التقييم الرسمي تشير إلى توقع أن تكون نسبة الوفيات التي ستتم بالمساعدة منخفضة نسبياً على مدى عشر سنوات، وثمة تقديرات أخرى متباينة حول حجم التأثير في عدد الوفيات السنوية.

الضغط المالي والنفسي على كبار السن

أشاد مؤيدو المشروع بوجود ضمانات وإجراءات فحص، لكن مخاوف لامي وغيره تتعلق بآليات التنفيذ والآثار غير المقصودة، ويخشى معارضون أن يتحول قرار إنهاء الحياة إلى خيار يختاره البعض لتجنب تكاليف الرعاية الطويلة أو أعباء الاعتماد على الأسرة، خصوصاً في ظل ضغوط مالية متزايدة على الأسر ونظام الرعاية، وحذر لامي أيضاً من تأثيرات محتملة في مبدأ حرمة الحياة، مشيراً إلى أن الضغوط الاقتصادية قد تلعب دوراً في اختيارات الأفراد وفق صحيفة "التيليغراف".

مواقف الأوساط الطبية والمجتمعية

أبدت جمعيات طبية بارزة تحفظات ملاحظة، حيث حذرت جمعية طب المسنين البريطانية (British Geriatrics Society) من أنه لا يمكن وضع ضوابط كافية لحماية كبار السن من مخاطر الانزلاق نحو إنهاء الحياة، ودعت إلى توخي الحذر ومراعاة الفجوات في رعاية المسنين والرعاية التلطيفية، بالمقابل، أصدرت بعض الهيئات الطبية مواقف متباينة؛ فكلية الأطباء الملكية اتخذت موقفاً متعادلاً تمثل في الاستجابة لمدى تنوع آراء أعضائها، في حين تقدم جمعيات مدافعة عن حق الاختيار في إنهاء المعاناة بيانات تؤكد تأييداً شعبياً كبيراً لتغيير القانون. 

الوقائع والدروس الدولية

تشير مقارنة مع تجارب دول وسلطات قضائية أخرى إلى أن المستخدمين لخدمات المساعدة على الوفاة هم في الغالب من كبار السن، وتبين تقارير حكومية وتقارير تأثيرية أن الأغلبية الساحقة من حالات المساعدة على الوفاة في دول أخرى كانت لأشخاص فوق سن الستين، وهذا الواقع يبرر قلق المحافل الطبية والحقوقية من أن أي تشريع قد يؤثر بشكل غير متناسب في أجيال المسنين ما لم تُقدّم شبكة رعاية وحماية قوية.

المعايير الحقوقية والأمم المتحدة

على المستوى الدولي، حذّرت هيئات حقوقية أممية من أن تشريعات إنهاء الحياة قد تُستخدم لتبرير ممارسات تمييزية ضد ذوي الإعاقة وكبار السن إن لم تُصمم بقوة وحذر، وأكد  خبراء الأمم المتحدة سابقاً أن الإطار التشريعي يجب أن يحمي ذوي الإعاقة من أي ضغوط تدفعهم إلى إنهاء حياتهم، كما تدعو التقارير الأممية إلى تحسين نظم الرعاية الاجتماعية والصحية قبل أي توسّع في خيارات الإنهاء، وفي الوقت نفسه، تجري الأمم المتحدة عملية لصياغة معاهدة خاصة بحقوق المسنين قد توفر خارطة قانونية جديدة لحماية كبار السن وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

الفجوات في خدمات الرعاية والتداعيات الواقعية

أكثر من مجرد نقاش أخلاقي، قضية التشريع ترتبط بواقع أنظمة الرعاية في المملكة المتحدة، وترى منظمات طبية أن الاختلافات الكبيرة في جودة وتوافر رعاية المسنين والرعاية التلطيفية تعني أن بعض المناطق قد تفتقر إلى بدائل حقيقية لمعاناة المرضى، ما يرفع احتمال لجوء بعض المرضى إلى خيار المساعدة على الوفاة، كما تشير بيانات سكانية إلى أن نسبة المسنين في المملكة مرتفعة وفي تزايد مستمر، إذ يشكل الأشخاص فوق 65 نحو 18-19% من السكان في إنجلترا وويلز، ويزداد حجم فئات المسنين الأكبر سناً بسرعة، ما يجعل أية سياسات مرتبطة بنهاية الحياة ذات أثر مجتمعي واسع. 

الرأي العام والساحة السياسية

يظهر استطلاعان حديثان أن معظم الجمهور البريطاني يؤيد السماح بالمساعدة على الوفاة بشروط، لكن نسبة من المؤيدين تشكك بوجود ضمانات كافية، وفي المشهد السياسي، اعتمد رئيس الوزراء مبدأ التصويت الحر، في حين أعرب وزيران بارزان عن معارضتهما، ما يجعل التنفيذ السياسي للقانون مرهوناً بتوازنات برلمانية وتشريعات تكميلية حول التمويل والتنظيم. 

خيارات السياسة والتوصيات العملية

يؤكد تحليل الخبراء والمنظمات الحقوقية أن أي تشريع يجب أن يقترن بخطوات عملية تقضي بتوسيع وتطوير الرعاية التلطيفية على نطاق وطني، وتعزيز برامج الدعم الأسري والمالي للمسنين، وإرساء آليات رقابية مستقلة تتبع حالات الطلب والتنفيذ، وضمان إشراك منظمات ذوي الإعاقة وكبار السن في تصميم الضمانات، كما تطالب توصيات طبية بأن يشمل التشريع متطلبات صارمة للتقييم النفسي والاجتماعي والاقتصادي قبل الموافقة على أي طلب، وتوفير مراجعات قضائية منتظمة. 

النقاش البريطاني حول تشريع المساعدة على الوفاة يعكس صراعاً أوسع بين حق الفرد في اختيار نهاية رحيمة لحياته من جهة، وواجب الدولة في حماية حقوق الفئات الضعيفة وضمان عدم تعرّضهم لضغوط تُقصيهم عن بدائل الرعاية من جهة أخرى.

 تاريخياً شكل النقاش حول إنهاء الحياة جزءاً من حوارات أخلاقية وقانونية امتدت لأكثر من قرن في أوروبا وأمريكا، مع تجارب متباينة بين دول اعتمدت تشريعات منظمة ودول ترفضها كلياً، وفي الحالة البريطانية، تبرز الحاجة إلى ربط أي تقنين بإصلاحات شاملة في الرعاية الصحية والاجتماعية، وبضوابط وتشريعات تنفيذية دقيقة، وتعاون مع المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية لضمان أن الخيار لا يصبح ضريبة تُفرض على أضعف الفئات وفق صحيفة "الغارديان".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية