إعلام الإسلام السياسي بائس ومتهافت

إعلام الإسلام السياسي بائس ومتهافت

 

لقد هُزم الإسلام السياسي هزيمة سياسية واضحة في عدد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ وهو أمر حدث بجلاء في مصر، في 30 يونيو 2013، وتكرر لاحقاً في تونس، ولكنه ما زال يحارِب مستهدِفاً هاتين الدولتين، وغيرهما، في ظل ضغوط كبيرة.

ورغم هذا التراجع السياسي الواضح، فإن الإسلام السياسي ما زال يمتلك منظومة إعلامية قادرة على تحقيق بعض الأهداف السياسية، ولكن تلك المنظومة بائسة، ومُتهافتة، وبعيدة كل البعد عن المناقب المهنية والفاعلية التنظيمية.

ويمكن تقسيم المنظومة الإعلامية للإسلام السياسي إلى قسمين أساسيين: أولهما يظهر في وسائل إعلام تقليدية تنشط في صورة قنوات فضائية، تبث من أطراف المنطقة وخارجها، أو صحف ومجلات، أو مواقع إلكترونية، وثانيهما يظهر في صورة قنوات على تطبيق يوتيوب، أو آلاف الحسابات النشطة على مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، مثل "فيسبوك" و"إكس" و"إنستغرام" و"تلغرام"، وغيرها.

من زاوية آيديولوجية، يمكن تقسيم مكوِّنات المنظومة الإعلامية للإسلام السياسي إلى قسم للإسلام السنِّي وآخر للإسلام الشيعي، وفي هذا التقسيم ستظهر آلاف المنصَّات الإعلامية والحسابات المختلفة التي تُسخِّر نفسها لخدمة المنحى الفكري والتطبيقي للجانبين.

فما ملامح إعلام الإسلام السياسي الرئيسة؟

من أبرز ملامح هذا الإعلام أنه يقوم على فكرة المفاصلة؛ أي إنه ينطلق من كونه يمثل فسطاط الخير في مواجهة فسطاط الشر، وهذا الأخير في تفكير ذلك الإعلام ليس سوى الآخر، أي آخر، بكل ما يمثله من منطلقات ودعاوى؛ فما دام هذا الآخر مختلفاً، فهو كاذب، وخائن، وعميل، وصهيوني، وغير مؤثر، بطبيعة الحال.

أما الملمح الثاني، فيتعلق باعتماد المحتوى المُقدَّم تحت لافتة الإسلام السياسي جميع ممكنات الانحياز الإعلامي التي شخَّصتها الأكاديميات، وحذَّرت منها الأدبيات الإعلامية في العصور كلها.

بداية، يعتمد إعلام الإسلام السياسي على تقنيات الاختيار المُغرِض للقصص التي تعكس قضايا لا تصب مباشرة في اهتمامات الجمهور المُستهدَف، ولكنها تخدم بالضرورة أغراض القائمين على المنظومة الإعلامية الداعمة لقضايا الإسلاميين، وفي هذا الصدد، يُطوِّر إعلام الإسلام السياسي إطار قضايا مُحدداً، لا يشمل بالطبع أي قضية يُمكن أن تُظهر نجاحاً لأعدائه، أو تُسلِّط الضوء على انتكاساته ومثالبه.

كما أنه يستخدم الأخبار الكاذبة بكثافة، ولا يتورَّع عن بثها والترويج لها، وعندما يثبت كذبها عبر تقديم الأخبار الصادقة، فإنه يتغاضى عن التصحيح، ويذهب إلى أخبار أخرى أكثر كذباً، ويُمعن في ترديدها بوصفها حقائق، معتمداً على تهافت ذاكرة جمهوره، واستعداد أغلبه للتغاضي عن الأكاذيب الإعلامية ما دامت تصب في شيطنة الاتجاهات المعارضة، وتكرس مظلومية الإسلاميين، وتُبرز مناقبهم.

وبينما تتوالى الأخبار الكاذبة، ومعها القضايا المُختارة بانحياز كامل، على الجمهور، فإن طبقة من المُحللين والمفسرين تنشط في التقاط تلك الأخبار، وتجتهد في تلفيق علاقات ارتباطية بينها، لتخلص إلى نتائج تعدُّها خطرة، وتقنع الجمهور بها، عبر تكنيكات الإلحاح.

وأخيراً، بدا واضحاً لمتابعي المنصَّات الإعلامية التابعة لمنظومات الإسلام السياسي الإعلامية، أن تلك المنظومات تولي أهمية كبيرة لاستخدام مُقدَّرات الذكاء الاصطناعي المتنامية في فبركة الأخبار والفيديوهات والصور، وأنها تُسخِّر هذه المقدرات من أجل بناء عالم كامل موازٍ، تغيب فيه الحقيقة تماماً، وتنزوي لمصلحة رواية واحدة، تُشيطن خصوم الإسلام السياسي، وتُحقر أداء الحكومات المناوئة، وتستهدف قادتها بالطعن والتجريح.

تتَّفق منظومات الإعلام التابعة لـالإسلام السياسي في تلك الممارسات بدرجة كبيرة، ولكن قسماً منها ما زال عالقاً في مهمة تعميق الانقسام بين السُّنة والشيعة. وفي هذا الصدد، لا تتوقَّف المنصات المُتبارية -وقطاع كبير منها على وسائط التواصل الاجتماعي بالتحديد- عن التلاسن، وازدراء الأديان، وتصدير الفتن الطائفية.

ورغم أن معظم المنصات المؤثرة في إعلام الإسلام السياسي تنطلق من دول -على أطراف المنطقة أو خارجها- تعلن دائماً احترامها وتكريسها قيم العمل الإعلامي الرشيد، فإن تلك المنصات تُفرِط في التحريض على العنف، وتمجيد الإرهاب، وانتهاك الخصوصية، والطعن في الأعراض، ولكنها لا تُواجَه بأي مساءلة أو مراجعة من جانب سلطات الضبط الإعلامية في تلك الدول، أو حتى الأطر القانونية الفاعلة فيها.

لم يعد الإسلام السياسي يملك أدوات سياسية كثيرة للخروج من مأزقه بامتداد المنطقة، ولكن إحدى أمضى تلك الأدوات التي ما زالت بيده، تتجسد في الإعلام الذي يُمعن في إساءة استخدامه، ويُوظفه لإشاعة الفتن والتضليل والتحريض على العنف.

يُقدِّم الإعلام المُستند إلى دعاوى دينية صورة بائسة ومتهافتة في منطقتنا، ورغم ذلك فإن حاضنيه، والناشطين في وسائله، لم يُلقوا القفَّازات بعد، وهو أمر يُلقي بأعباء كبيرة ومسؤوليات خطيرة على الأطر السياسية والأمنية والإعلامية في البلدان المُستهدفة.



نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط


 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية