غزة تبحث عن مفقوديها.. أكثر من 10 آلاف شهيد ما زالوا مدفونين تحت الركام

غزة تبحث عن مفقوديها.. أكثر من 10 آلاف شهيد ما زالوا مدفونين تحت الركام
استخراج جثامين ضحايا من تحت الأنقاض في غزة

تتواصل المأساة الإنسانية في قطاع غزة رغم توقف العدوان الإسرائيلي الذي حوّل القطاع إلى ركام وأزهق حياة مئات الآلاف من المدنيين، إذ أعلنت اللجنة الوطنية لشؤون المفقودين في حرب الإبادة أن أكثر من عشرة آلاف شهيد ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض في مختلف مناطق القطاع.

وأكدت اللجنة - في بيان صدر اليوم الخميس بحسب وكالة أنباء صفا- أن فرق الإنقاذ المحلية، رغم جهودها المضنية، لم تتمكن من الوصول إلى آلاف الجثامين العالقة تحت ركام المباني المدمرة بسبب شح المعدات ونقص الوقود واستمرار القصف في بعض المناطق.

وطالبت اللجنة المجتمع الدولي بإرسال فرق متخصصة للمساعدة في عمليات الانتشال، مشيرة إلى أن التأخير في ذلك يضاعف من المعاناة الإنسانية ويزيد من احتمالات انتشار الأمراض نتيجة تحلل الجثث في مناطق مكتظة بالسكان.

مقابر تحت الأنقاض

منذ السابع من أكتوبر عام 2023، يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة واحدة من أشد الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، فالحرب التي شنها الجيش الإسرائيلي اتسمت بوحشية غير مسبوقة، استهدفت البشر والحجر على حد سواء، وحولت أحياء بأكملها إلى مقابر جماعية تحت الأنقاض، ورغم الدعوات الدولية المتكررة لوقف الإبادة وتنفيذ أوامر محكمة العدل الدولية، إلا أن الاحتلال تجاهل كل النداءات واستمر في قصفه وتجويعه الممنهج للمدنيين.

تقول تقديرات محلية إن الحرب خلفت أكثر من مئتين وثمانية وثلاثين ألف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، فضلاً عن أكثر من تسعة آلاف مفقود لا يُعرف مصيرهم بعد، كما أدت إلى نزوح مئات الآلاف من العائلات التي فقدت منازلها ومصادر رزقها، في حين تواجه آلاف الأسر مجاعة خانقة أودت بحياة كثيرين، بينهم أطفال لم يتجاوزوا سن الطفولة.

يعيش سكان غزة اليوم وسط دمار شامل وانهيار شبه تام للبنية التحتية، إذ لم يسلم من القصف المستشفيات ولا المدارس ولا مخيمات الإيواء، كما تدهورت الخدمات الأساسية بشكل حاد، فالمياه ملوثة والكهرباء مقطوعة منذ أشهر، والمواد الغذائية والطبية شبه منعدمة، وفي ظل هذا الوضع، تعمل فرق الدفاع المدني والبلديات بوسائل بدائية لا تتناسب مع حجم الكارثة، ما يجعل العثور على المفقودين مهمة شبه مستحيلة.

غياب الدعم الدولي

تؤكد اللجنة الوطنية لشؤون المفقودين أن استمرار غياب الدعم الدولي الفعلي لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض يمثل وصمة عار على جبين الإنسانية، فالكثير من الأسر ما زالت تنتظر بقايا أحبائها لدفنهم بشكل لائق بعد شهور من الانتظار والألم.

وتروي عائلات عديدة قصصاً مأساوية عن أطفال ونساء دُفنوا في منازلهم المدمرة دون أن يتمكن أحد من الوصول إليهم بسبب تواصل القصف أو لأن المبنى تحول إلى أنقاض يصعب رفعها.

إحدى الناجيات من شمال القطاع تحدثت عن فقدان زوجها وثلاثة من أطفالها في قصف منزلهم خلال الأيام الأولى للحرب، تقول إنها تعرف أن جثامينهم ما زالت تحت الركام، لكنها لم تستطع العودة إلى الحي الذي دمر بالكامل، وأضافت بصوت يملؤه الحزن أنها لم تطلب سوى دفنهم بكرامة لتستطيع الصلاة عليهم ووداعهم كما يليق بالإنسان.

المأساة لم تقتصر على المفقودين فحسب، بل امتدت إلى الأحياء الذين يعيشون في ظروف وصفتها منظمات الأمم المتحدة بأنها غير إنسانية، فالمستشفيات تعمل بأقل من طاقتها بسبب نقص الوقود وانعدام الدواء، ومراكز الإيواء تغص بعشرات الآلاف ممن فقدوا بيوتهم، كما تعاني الأسر من صعوبة الحصول على الغذاء والماء الصالح للشرب، فيما يتفشى سوء التغذية والأمراض المعدية بشكل خطير.

استمرار الوضع الكارثي

منظمات دولية عدة، بينها الصليب الأحمر والأمم المتحدة، أعربت عن قلقها العميق من استمرار الوضع الكارثي في غزة، لكنها لم تتمكن حتى الآن من تنفيذ عمليات إنقاذ واسعة بسبب القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية كما أن فرق الإغاثة المحلية تفتقر إلى المعدات الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض أو تحديد أماكن الجثامين بدقة.

في المقابل، تواصل إسرائيل تبرير عملياتها العسكرية بأنها تستهدف من تصفهم بالمسلحين، متجاهلة أن معظم الضحايا هم من المدنيين الأبرياء، وتشير تقارير حقوقية إلى أن حجم الدمار وعدد القتلى والمفقودين يتجاوز بكثير أي مبرر عسكري، ويشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني.

ويحذر خبراء من أن استمرار دفن آلاف الجثامين تحت الركام يشكل كارثة بيئية وصحية في غزة، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة وتلوث المياه الجوفية، كما أن وجود جثث متحللة في مناطق سكنية يزيد من احتمالات انتشار الأوبئة، في ظل انهيار المنظومة الصحية وعدم وجود قدرات للاستجابة السريعة.

وسط هذا الواقع القاسي، تتجدد نداءات الغزيين للعالم كي يتحرك بجدية لإنقاذ ما تبقى من الأرواح تحت الركام، وانتشال الشهداء الذين ما زالوا ينتظرون من يخرجهم إلى الضوء، وتقول اللجنة الوطنية إن كل يوم تأخير يعني فقدان مزيد من الأمل في العثور على المفقودين، وتؤكد أن المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي حقيقي، فإما أن يثبت التزامه بالعدالة الإنسانية، أو يظل صامتاً أمام جريمة مستمرة في وضح النهار.

قطاع غزة اليوم لا يبحث عن مساعدات غذائية أو بيانات شجب فقط، بل عن عدالة إنسانية تبدأ بإزالة الركام وانتشال الجثامين ودفنها بكرامة، لأن تحت تلك الأنقاض لا يرقد الموتى فقط، بل تختبئ قصص حياة لم تكتمل، وأحلام جيل بأكمله انطفأت قبل أن ترى النور.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية