الأمم المتحدة تحذر: الحروب تدمر البيئة وتزرع الجوع والمرض والنزوح
الأمم المتحدة تحذر: الحروب تدمر البيئة وتزرع الجوع والمرض والنزوح
في مشهد يختزل مأساة الكوكب، حذرت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنغر أندرسن أمام مجلس الأمن الدولي من أن النزاعات المسلحة لا تقتصر على الدمار البشري والمادي فحسب، بل تمتد لتطول النظم البيئية الهشة التي تمثل شريان الحياة لملايين البشر.
وقالت أندرسن خلال إحاطتها أمام مجلس الأمن في جلسته الخاصة ببحث الآثار البيئية للنزاعات يوم الخميس، إن الحروب تؤدي إلى تلوث وإهدار وتدمير للبيئة، ما يخلّف آثاراً طويلة المدى تدفع المجتمعات إلى الجوع والمرض والنزوح، وتزيد من انعدام الأمن الإنساني والبيئي معاً وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.
حروب تدمر الأرض وتتركها تنزف
أكدت المسؤولة الأممية أن منع الضرر البيئي أثناء الحروب والصراعات ضرورة قصوى؛ لأن التعافي منه قد يستغرق عقوداً، واستشهدت بما شهدته غزة من تدمير للمحاصيل الزراعية، وتلوث للمياه العذبة والبحرية بمياه الصرف الصحي والملوثات الصناعية، إلى جانب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للمياه سواء بشكل عرضي أو متعمد كما حدث في ليبيا وسوريا واليمن.
وأضافت أن العنف لا يقتصر على المعارك، فالملايين من النازحين يلجؤون إلى مناطق بيئية هشة هرباً من القتال، ما يؤدي إلى إزالة الغابات للحصول على الوقود والمأوى، وهو ما يسرّع وتيرة التصحر وتآكل التربة، ويضاعف تدهور النظم البيئية.
تغير المناخ يغذي النزاعات
وحذرت أندرسن من أن تغير المناخ أصبح عاملاً مضاعفاً للنزاعات، إذ يفاقم التوترات القائمة على الموارد الطبيعية ويؤجج الصراعات العرقية والدينية، وقالت إن هناك أدلة متزايدة على أن الجفاف وارتفاع درجات الحرارة يسهمان في اندلاع أشكال متعددة من النزاعات المسلحة، مشيرة إلى أن ندرة المياه وتدهور الأراضي الزراعية قد تصبح شرارات لحروب جديدة ما لم تُعالج جذورها مبكراً.
دعم المجتمعات المتضررة وإعادة بناء القدرات
ودعت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى دعم الدول والمجتمعات الخارجة من النزاعات عبر تزويدها بالأدوات والخبرات اللازمة لحماية مواردها الطبيعية، وأكدت أن إعادة بناء القدرات الوطنية في مجال الإدارة البيئية يجب أن تكون أولوية عاجلة، لأن مؤسسات الحكم غالباً ما تنهار أثناء الحروب، ما يترك البيئة بلا حماية.
وشددت على أهمية العمل المشترك بين القطاعات والجهات الفاعلة، وأشارت إلى آلية الأمن المناخي التي أطلقتها الأمم المتحدة لدمج مستشاري الأمن البيئي والمناخي في عمليات السلام بما يعزز الروابط بين المناخ والسلام والأمن.
فجوة تمويلية تهدد العدالة المناخية
كما دعت أندرسن إلى زيادة الاستثمارات في مجال التكيف مع تغير المناخ في البلدان المتأثرة بالنزاعات، مشيرة إلى فجوة تمويلية صارخة تكشفها التقارير الأممية الحديثة، وأوضحت أن هذه الدول لا تتلقى سوى دولارين للفرد الواحد من تمويل المناخ، مقارنة بمئة واثنين وستين دولاراً في الدول الأكثر استقراراً، معتبرة ذلك انعكاساً صارخاً لعدم المساواة في الفرص والقدرة على الصمود.
واختتمت حديثها بدعوة المجتمع الدولي إلى رفع طموحاته مع اقتراب مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ كوب 30 في مدينة بيليم البرازيلية، مؤكدة أن كل درجة حرارة يتم تجنب ارتفاعها تعني خسائر أقل للناس والطبيعة، وفرصاً كبرى لتحقيق السلام والازدهار.
الحاجة إلى إطار قانوني لحماية البيئة أثناء الحرب
من جانبه، شدد عضو لجنة القانون الدولي البروفيسور تشارلز جالو على ضرورة إنشاء هيكل قانوني متماسك يعزز التعاون الدولي لمواجهة الأضرار البيئية الناجمة عن النزاعات المسلحة، وقال إن النظام القانوني الدولي الحالي لا يزال خليطاً من المعايير العامة التي تفتقر إلى الانسجام، رغم الجهود المبذولة لتعزيز الحماية القانونية للبيئة في أوقات الحرب.
وأشار جالو إلى أهمية إدماج الدول للمبادئ التوجيهية الصادرة عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ولجنة القانون الدولي ضمن تشريعاتها الوطنية، ومنها التعليمات العسكرية الموجهة للقوات المسلحة، كما دعا إلى حظر الأضرار البيئية الجسيمة التي يمكن أن تسهم في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مطالباً بوضع صك قانوني دولي جديد يضمن حماية البيئة بشكل أشمل.
واقترح جالو أن ينظر مجلس الأمن في إنشاء آلية أممية لرصد الأضرار البيئية في النزاعات المسلحة، سواء كانت داخلية أو دولية، على أن تكون قادرة أيضاً على معالجة مطالبات التعويض.
هايتي.. نموذج للأزمة البيئية والأمنية المترابطة
وخلال الجلسة نفسها، قدمت السيدة مارانثا دينات من منظمة الإغاثة العالمية إحاطة مؤثرة حول الأزمة البيئية المتفاقمة في هايتي التي قالت إنها تعمّق الأزمة الأمنية والإنسانية في البلاد، وأوضحت أن انعدام الأمن يدفع السكان إلى النزوح، في حين يجعل النزوح المجتمعات أكثر عرضة للمخاطر المناخية، لتتحول الأزمة إلى حلقة مفرغة من الفقر والتدهور.
وأضافت أن التدهور البيئي في هايتي لا يستثني أحداً، إذ يقوّض كرامة المجتمع بأسره ويهدد تماسكه الاجتماعي، محذّرة من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي والحضري بالكامل إذا لم تُتخذ استجابة شاملة ومتكاملة تجمع بين العمل الإنساني وبناء السلام والتكيف المناخي.
البيئة بوصفها أساس السلام الإنساني
تتقاطع مداخلات المسؤولين والخبراء في مجلس الأمن عند نقطة جوهرية مفادها أن حماية البيئة لم تعد ترفاً أخلاقياً أو مسألة ثانوية، بل أصبحت ركناً أساسياً من أركان الأمن الإنساني والسلام العالمي، فالحروب لا تكتفي بقتل البشر، بل تدمّر التربة والمياه والهواء، وتحرم الأجيال القادمة من مقومات الحياة، كما أن إعادة إعمار ما تهدم بيئياً تستغرق سنوات طويلة وتتطلب موارد هائلة، في وقت تنهك فيه الصراعات الدول والمجتمعات على حد سواء.
يأتي اجتماع مجلس الأمن حول الآثار البيئية للنزاعات المسلحة في سياق تنامي الوعي العالمي بترابط الأمن البيئي مع الأمن الإنساني والسياسي، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو ربع النزاعات المسلحة في العالم خلال العقود الأخيرة ارتبطت بعوامل بيئية، سواء من حيث التنافس على الموارد أو تأثيرات المناخ أو تدهور الأراضي الزراعية.
ويعمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة منذ عام 1999 على تقييم الأضرار البيئية في مناطق الصراع، وقد وثّق أكثر من مئة وخمسين حالة تدهور بيئي ناتجة عن الحروب، كما تسعى لجنة القانون الدولي إلى تطوير إطار قانوني شامل يضمن حماية البيئة في أوقات النزاع، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً نحو جعل حماية الطبيعة أولوية ملزمة ضمن منظومة الأمن والسلم الدوليين.
وفي ظل استمرار النزاعات وتزايد الكوارث المناخية، تبدو الرسالة الأممية أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى: لا سلام على كوكب مدمَّر، ولا مستقبل مزدهراً في بيئة ملوثة أو منهوبة.











