تقرير أممي يسلط الضوء على انتهاكات متواصلة تطول حقوق الإنسان في ليبيا

تقرير أممي يسلط الضوء على انتهاكات متواصلة تطول حقوق الإنسان في ليبيا
ليبيا - أرشيف

عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60 التي تتواصل في جنيف حتى 8 أكتوبر المقبل. وفي هذا السياق، قدمت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تقريرًا جديدًا عن أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا يغطي المستجدات حتى يونيو 2024، مع تسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة المستمرة، إلى جانب العقبات التي تواجه عمل المفوضية في تقديم المساعدة التقنية وبناء القدرات للمؤسسات الليبية.

وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، فإن الساحة الليبية لا تزال تشهد أنماطًا مقلقة من الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، حيث وثقت المفوضية حالات لمواطنين اعتقلوا دون أوامر قضائية، أو ظلوا قيد الاحتجاز لفترات طويلة دون محاكمة.

وأشار التقرير إلى أن مراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية تعاني من الاكتظاظ وسوء المعاملة، بما في ذلك تقارير عن تعذيب ومعاملة لا إنسانية.

ولم تتوقف الانتهاكات عند المواطنين الليبيين فحسب، بل طالت أيضًا المهاجرين واللاجئين الذين يتعرضون لانتهاكات جسيمة في مراكز الاحتجاز، من بينها الحرمان من الغذاء والرعاية الصحية، والعمل القسري والاستغلال الجنسي، وأكدت المفوضية أن تلك الأوضاع تمثل تحديًا إنسانيًا وحقوقيًا خطِرًا يتطلب تحركًا عاجلًا.

قمع الفضاء وحرية التعبير

وركز التقرير على تدهور الفضاء المدني، حيث أشارت المفوضية إلى استمرار القيود المفروضة على عمل منظمات المجتمع المدني، إلى جانب التضييق على الصحفيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان.

وأوضح أن المناخ الأمني والسياسي الهش أدى إلى بيئة غير مواتية لممارسة حرية التعبير والتجمع السلمي، مع ورود تقارير عن مضايقات وتهديدات تستهدف من يحاولون مساءلة السلطات أو فضح الانتهاكات.

وبين التقرير أن أحد أبرز التحديات يتمثل في ضعف منظومة العدالة واستمرار انعدام المساءلة، فالقضاء الليبي يواجه عراقيل مؤسسية وسياسية، ما يقوض قدرته على محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.

وأشارت المفوضية إلى أن غياب التحقيقات المستقلة والفعالة شجع على استمرار ممارسات الإفلات من العقاب، سواء بالنسبة للانتهاكات التي ارتكبتها الجماعات المسلحة أو تلك التي تورطت فيها أجهزة الدولة.

عقبات أمام عمل المفوضية

رغم جهودها، أوضحت المفوضية أنها واجهت عراقيل كبيرة في تنفيذ ولايتها داخل ليبيا. فقد واجهت فرقها صعوبة في الوصول الكامل إلى بعض مراكز الاحتجاز، ما عوّق قدرتها على توثيق الانتهاكات بشكل مباشر. 

كما أشارت إلى ضعف التعاون المؤسسي مع بعض السلطات الوطنية، وغياب التنسيق الفعال بين الأجسام الحكومية، وهو ما عرقل خطط المساعدة التقنية.

وأضاف التقرير أن الوضع الأمني المتقلب حال دون تنفيذ بعض البرامج التدريبية المقررة، إلى جانب القيود اللوجستية والإدارية التي فرضتها السلطات على أنشطة المفوضية.

رغم العقبات، أبرز التقرير أن المفوضية واصلت تقديم المساعدة التقنية وبناء القدرات لعدد من المؤسسات الليبية، فقد تم تنفيذ برامج تدريبية تستهدف تحسين أوضاع السجون، ومنها تعزيز معايير المعاملة الإنسانية للمحتجزين، وتطوير آليات الرقابة على أماكن الاحتجاز.

وعملت المفوضية على دعم جهود إصلاح العدالة الجنائية والعسكرية، من خلال توفير الاستشارات الفنية للقضاة وأعضاء النيابة، وتنظيم ورش عمل حول حقوق المتهمين وضمانات المحاكمة العادلة، وأكد التقرير أن هذه المبادرات تستهدف تعزيز استقلالية القضاء، وتهيئة بيئة قانونية أكثر توافقًا مع المعايير الدولية.

كما سعت المفوضية إلى دعم السلطات الليبية في وضع استراتيجيات للعدالة الانتقالية، بما يشمل حفظ الأدلة المتعلقة بالانتهاكات، وتمكين الضحايا من الوصول إلى التعويضات والإنصاف. ومع ذلك، أوضح التقرير أن غياب الإرادة السياسية والتنازع بين السلطات حالا دون إحراز تقدم ملموس في هذا المجال.

أوضاع المهاجرين واللاجئين 

وسلط التقرير الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المهاجرون واللاجئون داخل ليبيا، وأكد أن مراكز الاحتجاز تعاني من أوضاع مزرية، تتسم بالاكتظاظ وغياب الخدمات الأساسية، مع ورود تقارير عن التعذيب والعنف الجنسي والعمل القسري.

وأشار إلى أن ضعف آليات الحماية القانونية جعل هذه الفئات أكثر عرضة للاستغلال، سواء من قبل جماعات مسلحة أو شبكات إجرامية منظمة، ودعت المفوضية السلطات الليبية إلى تحسين أوضاع الاحتجاز وضمان المعاملة الإنسانية للمهاجرين، بالتعاون مع المجتمع الدولي.

وأكد التقرير أن التحديات في ليبيا ليست مؤقتة، بل هي بنية هيكلية مرتبطة بالانقسام السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد منذ سنوات، مشيراً إلى أن استمرار غياب سلطة مركزية موحدة يعرقل كل محاولات الإصلاح الحقوقي والمؤسسي.

توصيات للإصلاح

وشددت المفوضية على أن أي تقدم في مجال حقوق الإنسان يتطلب إصلاحًا شاملًا للمؤسسات، وإرساء قواعد حكم رشيد تضمن الشفافية والمساءلة.

وأنهت المفوضية تقريرها باستعراض سلسلة من التوصيات الموجهة إلى ليبيا والمجتمع الدولي، داعية السلطات الليبية إلى إنهاء ممارسات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، وضمان محاكمات عادلة للمحتجزين.

وتحسين أوضاع مراكز الاحتجاز، وضمان وصول المراقبين المستقلين إليها بشكل منتظم. وتوسيع الفضاء المدني وحماية الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان من التهديدات والمضايقات. وتعزيز استقلال القضاء، وفتح تحقيقات شفافة وفعالة لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات.

وأوصى التقرير المجتمع الدولي بدعم جهود المفوضية من خلال توفير التمويل والموارد، وتمكينها من العمل بحرية كبرى داخل ليبيا، حتى تتمكن من تنفيذ ولايتها في مجال المساعدة التقنية وبناء القدرات.

واختتمت المفوضية بالتحذير من أن استمرار الأوضاع الراهنة دون إصلاحات ملموسة سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الحقوقية، ويزيد من معاناة الليبيين، ويقوض فرص تحقيق السلام والاستقرار في البلاد.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية