الحياة تعود تدريجياً إلى نيبال ورئيسة الوزراء الجديدة تتفقد الجرحى
الحياة تعود تدريجياً إلى نيبال ورئيسة الوزراء الجديدة تتفقد الجرحى
بدأت رئيسة وزراء نيبال المؤقتة، القاضية السابقة ورئيسة المحكمة العليا سابقاً سوشيلا كاركي، اليوم السبت، أول نشاط رسمي لها بزيارة جرحى الاحتجاجات الدامية التي شهدتها العاصمة كاتماندو مطلع الأسبوع.
وجاءت هذه الخطوة الإنسانية بعد يوم واحد فقط من أدائها اليمين الدستورية لتقود البلاد في مرحلة انتقالية تمتد حتى الانتخابات المقررة في مارس المقبل، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس".
تجولت كاركي في عدد من المستشفيات بالعاصمة، حيث اطمأنت على أحوال المصابين الذين سقطوا خلال المواجهات مع قوات الأمن في عهد رئيس الوزراء السابق كيه بي شارما أولي الذي أجبر على الاستقالة تحت ضغط الشارع.
احتجاجات وإسقاط الحكومة
شهدت نيبال، يومي الاثنين والثلاثاء، تظاهرات عنيفة غير مسبوقة منذ إلغاء النظام الملكي عام 2008، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 51 شخصاً وإصابة المئات، بحسب آخر حصيلة للشرطة.
وانطلقت شرارة الغضب الشعبي بعد قرار حكومي بحجب 26 منصة تواصل اجتماعي، منها "فيسبوك" و"واتساب" و"إنستغرام"، لتتحول سريعاً إلى ثورة سياسية ضد الفساد وتدهور الأوضاع المعيشية.
ورد المحتجون بإحراق مبنى البرلمان وعدة وزارات ومنازل مسؤولين، في حين لجأت قوات الأمن إلى قمع المظاهرات بعنف، ما عمّق حالة الغضب الشعبي.
وأمام تصاعد الأزمة، لم يجد أولي الذي قاد الحكومة أربع مرات منذ 2015، سوى الاستقالة بعد أن بات رمزاً لنخبة سياسية متهمة بالفساد والعجز عن تلبية طموحات الشباب.
مهام صعبة أمام الحكومة
أدى تعيين كاركي، البالغة 73 عاماً والمنحدرة من أسرة سياسية عريقة، إلى ارتياح واسع داخل الشارع النيبالي، فقد عد كثيرون صعودها إلى رئاسة الوزراء خطوة أولى نحو مرحلة جديدة أكثر شفافية، خصوصاً أنها معروفة باستقلاليتها ونزاهتها خلال فترة ترؤسها المحكمة العليا عام 2016.
ورغم ذلك، تواجه كاركي تحديات معقدة، بدءاً من إعادة فرض الاستقرار وضمان إجراء انتخابات نزيهة، مروراً بمكافحة الفساد وتحقيق العدالة، وصولاً إلى معالجة آثار القمع الدموي وإعادة الاعتبار لضحاياه، كما يتعين على حكومتها التعامل مع قضية شائكة تتمثل في فرار نحو 12,500 سجين خلال الفوضى الأخيرة.
رحب مواطنون كثر بتعيين أول امرأة على رأس الحكومة في تاريخ نيبال، وقالت دورغا ماغار، بائعة تبلغ 23 عاماً: "هذه الحكومة المؤقتة تمنحنا بعض الأمل، نريد محاربة الفساد، ولا يهم من يتولى الحكم، الأهم أن تتغير الأوضاع".
أما سوراج بهاتاراي، الناشط الاجتماعي (51 عاماً)، فأعرب عن ثقته بأن "كاركي ستمنح البلاد دفعة قوية نحو الحوكمة الرشيدة".
عودة تدريجية للحياة الطبيعية
خفف الجيش النيبالي صباح السبت حظر التجول المفروض منذ أيام في العاصمة ومدن أخرى، في حين تراجعت أعداد الدبابات والآليات المدرعة من الشوارع، لتعود الأسواق والمعابد تدريجياً إلى نشاطها المعتاد.
لكن خلف هذا المشهد، تبقى التحديات الاقتصادية ضاغطة. فوفق البنك الدولي، يعاني أكثر من 20% من الشباب النيبالي (15 – 24 عاماً) من البطالة، في حين لا يتجاوز متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 1450 دولاراً سنوياً.
وطالبت منظمات حقوقية دولية، بينها "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش"، الحكومة المؤقتة بإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب التي سادت في الماضي، وضمان محاسبة المسؤولين عن القمع الدموي.
وبينما تتطلع الأنظار إلى الانتخابات المقبلة في 5 مارس 2026، يبقى مصير نيبال السياسي مرهوناً بقدرة رئيسة الوزراء الجديدة على تحويل التفويض الشعبي إلى خطوات ملموسة تضع البلاد على مسار ديمقراطي أكثر استقراراً وعدلاً.