الجنوب السوري في عين الأزمة.. كيف يفاقم التصعيد الإسرائيلي انتهاكات حقوق الإنسان؟

الجنوب السوري في عين الأزمة.. كيف يفاقم التصعيد الإسرائيلي انتهاكات حقوق الإنسان؟
قوات إسرائيلية في الجنوب السوري

في خطوة أثارت انتباه المجتمع الدولي وأعاد تسليط الضوء على ملفات الانتهاكات في مناطق الصراع، نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريراً تُحمّل فيه القوات الإسرائيلية مسؤولية سلسلة من الانتهاكات الحقوقية في أجزاء من جنوب سوريا احتلتها منذ ديسمبر 2024، منها تهجير قسري لسكان قرى تقع داخل المنطقة منزوعة السلاح، وعمليات هدم وصيانة مواقع عسكرية، ومنع وصول السكان إلى أراضيهم الزراعية، ويصف التقرير بعض هذه الأفعال بأنها ترقى إلى جريمة حرب، ويستند إلى مقابلات مع شهود ووسائل توثيق فضائية وبصرية. 

الوقائع الميدانية المزعومة

تؤكد وقائع وردت في التقرير أن قوات إسرائيلية أنشأت منذ بداية 2025 سلسلة من المواقع العسكرية الممتدة من جبل حرمون إلى محيط مدينة القنيطرة وأجزاء من غربي درعا، وأن عمليات توسيع الوجود شملت هدم بيوت، وسرية طرد سكان قريتي الحميدية وجباتا الخشب، ومنع مزارعين من الوصول إلى أراضيهم، ففي قرية الحميدية وحدها أورد التوثيق أن نحو 12 مبنى هُدمت في 16 يونيو، ما أدى إلى تهجير عدة عائلات، في حين رُصدت منشآت عسكرية شُيّدت في محيط القرى منذ يناير 2025، كما وثّق التقرير حالات احتجاز قُدم فيها أفراد ونُقلوا إلى إسرائيل، من بينهم قاصر. 

اعتمد المحققون في هيومن رايتس ووتش على مقابلات مع سكان محليين ومحامين وناشطين، وعلى تحليل صور ومقاطع فيديو أرسلتها مصادر من الأرض، إضافة إلى صور أقمار صناعية رصدت تبدلات في الأرض، وبداية بناء منشآت عسكرية قرب القرى، وتوضح هذه المقاربة تراكب الأدلة الشهادية والبصرية والفضائية التي استخدمت لتحديد مواقيت الهدم والبناء ومستويات الاقتحام، وهي منهجية اعتمدتها المنظمة سابقاً في تقاريرها عن انتهاكات في مناطق نزاع أخرى. 

المساءلة القانونية وما ينص عليه القانون الدولي

يحظر القانون الدولي الإنساني التهجير الجماعي أو الفردي للمدنيين من أراضيهم المحتلة إلا في حالات استثنائية إذا كانت هناك ضرورة عسكرية قاهرة، وفي كل الأحوال يجب احترام ضمانات إنسانية وإجرائية واضحة. وتضع نصوص اتفاقية جنيف الرابعة والممارسات القضائية الدولية قيوداً صارمة على النقل القسري للمحميين وتدمير الممتلكات المدنية ما لم يكن ذلك ضرورياً للغاية لتنفيذ عمليات قتالية فورية، كما يحظر نقل الأشخاص المحتجزين من الأراضي المحتلة إلى أراضي القوة المحتلة، وتحدد الهيئات الدولية والفقه الدولي التهجير غير المبرر بأنه قد يرقى إلى جريمة حرب.

موقف إسرائيل وردود الفعل الدولية

ردّ الجيش الإسرائيلي على الاتهامات بأنه يعمل في جنوب سوريا "لحماية مواطني دولة إسرائيل"، وأن أنشطته "تتوافق مع القانون الدولي"، مشيراً إلى اعتراضات أمنية، واحتمالية اعتراض عمليات تهريب أو نشاطات مسلحة قرب الحدود، وفي الوقت نفسه، تأتي تقارير هيومن رايتس ووتش في سياق مفاوضات إقليمية تسعى لتفاهمات أمنية بين دمشق وتل أبيب بوساطة دولية، في حين تطالب دمشق باستعادة السيطرة على المناطق منزوعة السلاح وإعادة قوات الأمم المتحدة. ووثقت وسائل إعلام دولية وأممية توغلات برية وغارات جوية متكررة، ما يزيد تعقيد المشهد ويستدعي رصداً دولياً متواصلاً.

مواقف المؤسسات الحقوقية والأمم المتحدة

طالبت هيومن رايتس ووتش بضرورة فتح تحقيقات مستقلة ومحاسبة المسؤولين، وطرحت تدابير ملموسة تشمل تعليق الدعم العسكري والضغط عبر آليات الولاية القضائية العالمية ودعم مسارات المساءلة في إطار المحكمة الجنائية الدولية حين تتوافر شروط الاختصاص، كما دعت إلى ضمانات لعودة النازحين من الجنوب السوري بشكل آمن وطوعي. وعبّر مكتب مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومنظمات دولية أخرى عن قلق إزاء تردّي حماية المدنيين وضرورة احترام التزامات الدول بموجب القانون الدولي الإنساني، ودعت المنظمات إلى تحقيق شفاف يوضح مدى مطابقة الإجراءات الإسرائيلية للضرورة العسكرية المحدودة التي يبيحها القانون.

التداعيات الإنسانية والسياسية والإقليمية

عمليات الهدم والتهجير تمنع عودة السكان وتجردهم من سبل عيشهم وممتلكاتهم، كما تقوّض إمكانية أي تسوية أمنية مستدامة في الجنوب السوري، ويفاقم خروج آلاف السكان أو تقييد وصولهم للمزارع والمراعي أزمة النزوح التي يعاني منها السوريون منذ سنوات، ويستنزف قدرة المجتمعات المحلية على التعافي. وسياسياً، قد يعرقل استمرار هذه الممارسات أي اتفاق أمني أو تفاهم بين دمشق وتل أبيب، أو يضعف ثقة الفاعلين الإقليميين في أي تعهدات مستقبلية، ما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات أو اشتباكات متقطعة على خط التماس.

خيارات المساءلة والرد الدولي

تفتح الاتهامات الباب أمام مسارات قانونية ودبلوماسية متعددة: تحقيقات دولية مستقلة وتوثيق أوسع من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية، استخدام آليات الولاية القضائية الوطنية في دول ثالثة، فضلاً عن خيارات سياسية تشمل تعليق أو مراجعة شراكات عسكرية وتقنية ما لم يتم تقديم أدلة وافية تثبت احترام قواعد الحرب، وتوصي هيومن رايتس ووتش والدول الحقوقية بفرض قيود مستهدفة على المسؤولين المتورطين ودعم آليات تتيح عودة السكان في ظروف آمنة وكريمة. 

التقارير الأخيرة تندرج ضمن سياق أوسع يتمثل في احتلال هضبة الجولان منذ 1967 وإنشاء منطقة منزوعة السلاح عام 1974، ثم تحولات جديدة بعد انهيار سلطة دمشق في ديسمبر 2024 وما أعقبه من تقدم إسرائيلي في القطاع الجنوبي، وما يحدث يعيد طرح أسئلة معقدة حول التوازن بين ما تبرره اعتبارات الأمن الوطني وما يحدده القانون الدولي لحماية المدنيين وحقوقهم، وتبدو مطالبة المجتمع الدولي بالتحقق المستقل وبإجراءات مساءلة قابلة للتحقق، في هذا الظرف خطوة ضرورية لوقف أي تصاعد وانعكاسات إنسانية أوسع بحسب هيومن رايتس ووتش.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية