الاختفاء القسري.. جريمة بلا أثر تحاصر الضحايا وعائلاتهم
الاختفاء القسري.. جريمة بلا أثر تحاصر الضحايا وعائلاتهم
عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60 في جنيف، والتي تستمر حتى 8 أكتوبر 2025. وفي هذا السياق، قدّم الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي تقريره السنوي الذي يغطي الفترة من 11 مايو 2024 حتى 2 مايو 2025.
وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، فإن هذه الجريمة ما زالت تمثل تهديدًا عالميًا يتجاوز الحدود والسياقات الوطنية، مع استمرار ورود أعداد كبيرة من البلاغات من مناطق نزاع وأوضاع سياسية مضطربة، وهو ما يعكس حجم الظاهرة وتشعبها.
أرقام صادمة
أورد الفريق العامل في تقريره أن عدد الحالات التي أُحيلت إلى الدول الأعضاء منذ إنشائه عام 1980 بلغ 62,904 حالة، فيما لم يتم توضيح مصير أو مكان وجود 49,664 شخصًا حتى الآن، ما يعكس الفجوة الهائلة في كشف الحقيقة وتحقيق العدالة.
وخلال الفترة التي يغطيها التقرير وحدها، أحال الفريق العامل 1,278 حالة جديدة من 39 دولة إلى الحكومات المعنية، ما يبرهن على أن الاختفاء القسري لا يزال ممارسة متكررة وواسعة النطاق في العديد من السياقات المعاصرة.
ولفت التقرير إلى أن أنماط الاختفاء القسري لم تعد مرتبطة فقط بالنزاعات المسلحة، بل امتدت إلى مجالات متعددة، فقد سجل الفريق العامل حالات مرتبطة بالدفاع عن الأراضي والموارد الطبيعية والبيئة، حيث يتعرض ناشطون بيئيون ومجتمعات محلية للتهديد والاختفاء بسبب معارضتهم لمشاريع استخراجية أو استغلال مفرط للموارد.
وتُرتكب الجريمة في سياق الهجرة، بما في ذلك حالات مرتبطة بعمليات الترحيل الجماعي والإعادة القسرية، التي تؤدي إلى اختفاء مهاجرين ولاجئين أثناء رحلاتهم أو فور إعادتهم إلى بلدانهم.
وخلال مكافحة الإرهاب، حيث أشار التقرير إلى أن بعض الدول تبرر احتجاز واختفاء أفراد بحجة الأمن القومي أو مكافحة التطرف، ما يفتح الباب واسعًا أمام انتهاكات جسيمة للحقوق الأساسية.
كما لاحظ الفريق العامل حالات اختفاء مرتبطة بأجواء سياسية متوترة، تهدف إلى إسكات المعارضين أو التحكم في المناخ الانتخابي.
وأكد الفريق العامل أن هذه السياقات مجتمعة تكشف عن استخدام الجريمة كأداة قمع سياسي وأمني، بما يقوض سيادة القانون ويعزز مناخ الإفلات من العقاب.
ظاهرة عالمية
وشدد التقرير على أن الاختفاء القسري لم يعد حكرًا على مناطق نزاع بعينها، بل أصبح ظاهرة عالمية تتكرر في قارات مختلفة، موضحا أن انخفاض عدد الحالات المبلغ عنها في بعض المناطق لا يعني غياب الجريمة، بل قد يكون نتيجة لغياب الإبلاغ، أو خوف العائلات من الانتقام، أو القيود المفروضة على منظمات المجتمع المدني.
كما أشار الفريق العامل إلى بروز أنماط جديدة مثل الاختفاء القسري قصير الأمد، حيث يُحتجز الأفراد في أماكن سرية لفترات قصيرة قبل الإفراج عنهم دون تسجيل رسمي، وهو ما يظل ضمن التعريف الدولي للجريمة.
وأكد التقرير أن المعاناة لا تقتصر على الشخص المختفي فحسب، بل تمتد إلى أسرته التي تعيش في دوامة من القلق وعدم اليقين. وأبرزت الشهادات الواردة أن غياب الحقيقة يشكل في حد ذاته معاملة لا إنسانية، تتسبب في آثار نفسية واقتصادية مدمرة على العائلات.
ودعا الفريق العامل الدول إلى ضمان حصول الأسر على الدعم النفسي والقانوني والإداري، وتمكينها من معرفة مصير أحبائها باعتبار ذلك حقًا أساسيًا غير قابل للتفاوض.
تحديات قائمة
ورغم الجهود المبذولة، أوضح التقرير أن الفريق العامل يواجه صعوبات متزايدة بسبب أزمة السيولة المالية في الأمم المتحدة، ما يحد من قدرته على القيام بزيارات قطرية أو متابعة جميع الحالات بكفاءة. لافتا إلى أن تعاون بعض الدول لا يزال محدودًا، سواء عبر رفض استقبال الزيارات أو عدم الرد على البلاغات المقدمة.
ورغم ذلك، أبدى الفريق العامل استعداده لمواصلة تقديم الدعم التقني للدول الراغبة في تحسين ممارساتها، داعيًا الأعضاء إلى توفير التمويل اللازم وتعزيز التعاون مع آليات حقوق الإنسان الأخرى.