حقوق مهددة وصحة معرضة للخطر.. تداعيات احتجاز المهاجرين في سجون كندا

حقوق مهددة وصحة معرضة للخطر.. تداعيات احتجاز المهاجرين في سجون كندا
أحد مراكز احتجاز المهاجرين في كندا

 

في تحول مهم على مستوى سياسات الهجرة في كندا، أعلنت المقاطعات الواحدة تلو الأخرى وقف السماح لوكالة خدمات الحدود الكندية باستخدام سجون المقاطعات لاحتجاز أشخاص لأسباب إدارية تتعلق بالهجرة، لتكون أونتاريو أحدث المقاطعات التي أعلنت إنهاء هذه الممارسة في منتصف سبتمبر 2025. 

وبحسب ما أوردته "هيومن رايتس ووتش" على موقعها الرسمي يوم الجمعة، جاء هذا القرار بعد ضغوط حقوقية ومطالب واسعة إثر تحقيقات وكشوف مروعة داخل مرافق الاحتجاز، الأمر الذي أعاد فتح نقاش وطني حول ما إذا كانت سجون المقاطعات مناسبة للاحتجاز الإداري للأشخاص غير المتهمين بجرائم جديدة وفق مفوضية حقوق الإنسان

أعلنت وكالة خدمات الحدود في كندا أنه اعتباراً من منتصف سبتمبر 2025 لم يعد هناك أشخاص محتجزون في مرافق إصلاح مقاطعة أونتاريو لأسباب هجرية، ما يجعل نهاية الاحتجاز في سجون المقاطعات واقعاً وطنياً بعد أن كانت هذه المقاطعات ملاذاً لآلاف المحتجزين في السنوات الأخيرة، وفي المقابل، اتخذت الحكومة الفيدرالية خطوات لتوسيع استعمال مرافق اتحادية مؤقتة لاحتجاز فئات تُصنّف "عالية الخطورة"، وبدأت وكالة خدمات الحدود تشغيل مركز احتجاز مؤقت داخل منشأة فيدرالية في مقاطعة كيبيك هذا الصيف، وهذه الخطوة أثارت قلق منظمات حقوق الإنسان التي حذّرت من نقل المشكلة إلى مستوى آخر بدل حلها. 

لماذا جرتْ هذه الممارسة؟

أسباب استخدام سجون المقاطعات لاحتجاز المهاجرين متعددة. على المستوى العملي، شكلت الاتفاقات بين المقاطعات والحكومة الفيدرالية آلية سريعة لاستيعاب أشخاص ينتظرون إجراءات ترحيل أو فحوصات إدارية، ولا سيما فترات ارتفاع تدفق طالبي اللجوء، ومن ناحيته التشريعية، سمحت تعديلات سابقة باستخدام سعة السجون مخزناً مؤقتاً للأشخاص المعنيين بقضايا هجرة، في حين تبرر السلطات ذلك بحجج متصلة بالحفاظ على "الأمن العام" أو ضمان حضور الأفراد أمام المحاكم والإجراءات الإدارية، ومع ذلك، انتقدت هيئات حقوقية هذه المبررات باعتبار الاحتجاز، عندما يكون إدارياً وغير جنائي، إجراءً عقابياً لا يتناسب مع معايير حقوق الإنسان. 

أثر الاحتجاز في الصحة والحقوق

الأدلة المتاحة تشير إلى أن احتجاز أشخاص لأسباب إدارية في مرافق سُجِّنت لأغراض جنائية يحمل آثاراً جسدية ونفسية خطيرة، وربطت وثائق ومراجعات قضائية، ومنها تحقيقات استندت إليها منظمات حقوقية، بين هذه الممارسة وتدهور الصحة النفسية للمحتجزين، وحالات عزل طويلة الأمد ومعاملة حادة تتفاقم مع وجود حالات إعاقة نفسية وجسدية لم تُراعَ في النظام. تحقيق استقصائي وقضائي عن وفاة محتجز عام 2015 كشف ظروف احتجاز مروعة، وخرج بتوصيات بإنهاء ممارسات الاحتجاز في السجون، وركزت دعاوى ونداءات المجتمع المدني كذلك على التمييز العرقي داخل نظام الاحتجاز، إذ كثيراً ما طالت السيناريوهات الرجال السود وغيرهم من المجموعات العرقية بفترات احتجاز أطول وظروف أكثر قسوة. 

ردود فعل المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة

حمل التحرك الشعبي والحملات الحقوقية، أبرزها حملة #WelcomeToCanada التي قادتها هيومن رايتس ووتش ومنظمات العفو الدولية في كندا منذ 2021، ضغطاً كبيراً على المقاطعات لإنهاء الاتفاقات مع الوكالة الاتحادية، وطالبت هذه المنظمات الحكومة الفيدرالية بالتوقف عن نقل الأشخاص إلى مرافق عقابية ومراعاة البدائل، وعلى المستوى الدولي، أعربت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عن قلقها ودعت كندا إلى حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الاحتجاز وإنهاء الاحتجاز الإداري، كما عبّر فريق العمل المعني بالاحتجاز التعسفي عن قلقه بشأن خطط استخدام سجون فيدرالية لاحتجاز المهاجرين. 

الأرقام تقول الحقيقة

منذ 2016 احتجزت كندا عشرات الآلاف من الأشخاص لأسباب تتعلق بملف الهجرة، وتشير تقارير ومراجعات حقوقية إلى أن العدد الإجمالي للمحتجزين وصل إلى نحو 45 ألف حالة خلال سنوات، مع نسبة كبيرة من حالات الاحتجاز لأغراض إدارية لا تتعلق بخطر أمني مباشر، كما وثّق مراقبون ازدياد اعتماد النظام على الاحتجاز غير المحدود زمنياً في بعض الحالات، ما يخلق مخاطر التعسف والاستبعاد من حماية القانون.

حقوق اللاجئين وذوي الاحتياجات الخاصة

كندا طرف في معاهدات دولية تكفل حقوق اللاجئين وذوي الاحتياجات الخاصة، كما أن التزامات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تُلزمها بعدم اللجوء إلى احتجاز تعسفي أو عقابي في مواجهة طالبي اللجوء، وتؤكد المنظمات الحقوقية أن احتجاز أشخاص للأسباب الإدارية وحدها لا يحقق الغرض القانوني من الحبس ويجب استبداله ببدائل قائمة على المجتمع مثل برامج الإشراف والمراجعة القضائية والدعم القانوني والإسكان المؤقت، ودعت تقارير الخبراء الأمميين إلى إلغاء هذه الممارسة بالكامل أو تقييدها بشدة مع آليات رقابة مدنية مستقلة وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

بدائل قابلة للتطبيق وسياسات مُقترَحة

تشير التجارب المحلية والدولية إلى مجموعة من البدائل التي تحترم حقوق الأشخاص وتحقق حضورهم أمام الإجراءات الإدارية دون الحبس، ومنها برامج الإشراف المجتمعي، أنظمة الضمان المالي أو الرقابة الإلكترونية مع ضمان الخصوصية، وخدمات دعم السكن والصحة النفسية والقانونية، كما يوصي حقوقيون بخلق آليات رقابية مدنية مستقلة للتحقيق في حالات سوء المعاملة وتنفيذ توصيات التحقيقات القضائية، مثل توصيات نداءات التشريح والتحقيق في وفيات المحتجزين، ويعد التمكين المالي للمقاطعات والهيئات المدنية للقيام بدور رقابي واستثماري في بدائل الاحتجاز عنصراً أساسياً للنجاح. 

يمثل إنهاء استخدام سجون المقاطعات لاحتجاز المهاجرين تقدماً بارزاً في مسار طويل من الضغط المدني والحقوقي، لكنه ليس نهاية الطريق، وتحوّل التركيز الآن إلى الحكومة الفيدرالية التي بدأت خطوات لاستخدام مرافق فيدرالية مؤقتة لاستيعاب أشخاص يُزعم أنهم شديدو الخطورة، في مشهد يطرح سؤالاً جوهرياً: هل يتم استبدال سجن المقاطعات بسجون فيدرالية أم إن كندا ستتحول فعلاً إلى نموذج قائم على المجتمع والحقوق؟

اليوم تتقاطع دعوات المنظمات الوطنية والدولية والهيئات الأممية لإلغاء الاحتجاز الإداري وتبني بدائل إنسانية تحفظ كرامة طالبي اللجوء والمهاجرين وتلتزم بالقانون الدولي، وبحسب "هيومن رايتس ووتش" يعد قرار المقاطعات خطوة ملحوظة، والرهان الآن على قدرة أوتاوا على ترجمة المعايير الحقوقية إلى سياسات وطنية تحمي الضعفاء وتمنع إعادة إنتاج حلقات المعاناة داخل أسوار السجون. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية