كيف أعطى الاتفاق التجاري بين أوروبا وفيتنام غطاءً لانتهاكات حقوق العمال؟

كيف أعطى الاتفاق التجاري بين أوروبا وفيتنام غطاءً لانتهاكات حقوق العمال؟
عمال في أحد مصانع فيتنام- أرشيف

 

منذ دخول اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وفيتنام (EVFTA) حيّز التنفيذ في الأول من أغسطس 2020، ساد تفاؤل أوروبي بأن الربط الاقتصادي سيحفز تحسناً في سجل هانوي الحقوقي، بيد أنّ تقييمات منظّمات حقوقية ودعوات مدنية متواصلة تُظهر أن الاتفاقية لم تُترجم إلى تحسينات جوهرية، وأن سلطات فيتنام واصلت قمع الحريات الأساسية وعرقلت العمل النقابي المستقل، ما دفع منظمات دولية لرفع قضايا ونداءات إلى بروكسل للمطالبة بآليات إنفاذ فعّالة. 

السياق والتعهدات المعلنة

ذكرت "هيومن رايتس ووتش"، في بيان لها الأربعاء، أن اتفاق EVFTA صُمم ليكون "اتفاقاً من الجيل الجديد" لا يقتصر على إزالة الرسوم بل يتضمن التزامات في مجالات الاستدامة والعمال وحقوق الإنسان، ويقترن بنظام حواري وآليات متابعة، وتوقع المشرعون في الاتحاد أن الانفتاح الاقتصادي سيشجّع الإصلاحات وأن التزامات العمل (بما في ذلك ضرورة امتثالها لمعايير منظمة العمل الدولية) ستكون حافزاً للتقدم، لكن تبيّن منذ التوقيع أن مكوّن الحقوق داخل الاتفاقية لم يكن مصحوباً بما يكفي من أدوات ضغط رادعة أو آجال تنفيذ ملموسة. 

أسباب الفشل في ترسيخ الحقوق

ثلاثة أسباب مترابطة تفسر ضعف أثر الاتفاقية على حقوق الإنسان في فيتنام، أولها، غياب ربط واضح بين الامتيازات الاقتصادية وعقوبات ملموسة في حال إخلال هانوي بالتزاماتها، ما منح الحكومة هامش من المناورة لإعطاء وعود شكلية من دون تنفيذ جوهري، وثانياً، استمرار القمع القانوني والسياسي ضد الصحافة والنشطاء والعاملين في المجتمع المدني، إذ يُستخدم الإطار الجنائي لتقييد المعارضة وحرية التعبير، وثالثاً، خلافات داخل الآليات الدولية حول أفضل طريقة للضغط ما أدى إلى تردد أوروبي في فرض خطوات عقابية حاسمة، واعتبرت تقارير ومنظمات مثل هيومن رايتس ووتش أن الاتحاد لم يربط حقوق الإنسان بعناصر تطبيقية قوية في الاتفاقية وبالتالي فشل في الاستفادة من نفوذه. 

نماذج واقعية من القمع والانتقام

الأدلة العملية كثيرة ففي 2021 حُكم على الصحفي فام تشي دونغ بالسجن 15 عاماً بعد دعوته البرلمان الأوروبي إلى إعادة التفكير في الاتفاقية، وهو مثال صارخ على كيفية تعامل السلطات مع الأصوات المستقلة، كذلك اعتُقل ناشطون عماليون حاولوا الانخراط في آليات المراقبة المحلية للاتفاقية، كما وُثّق اعتقال مسؤولين شاركوا في محادثات إصلاحات العمل، وفي مايو 2024 اعتُقل مسؤول في وزارة العمل كان على صلة بمباحثات مع منظمة العمل الدولية بشأن إصلاحات تسمح بتشكّل نقابات مستقلة، ما أعاد إلى الواجهة الشكوك حول جدية الالتزام بالإصلاحات المطلوبة، وهذه الوقائع تدلّ على كيفية تعارض ممارسات الدولة مع التزاماتها الظاهرة تحت بنود الاتفاقية. 

تداعيات إنسانية واجتماعية واقتصادية

إخفاق الاتفاقية في حماية الحقوق داخل فيتنام ينعكس على الأرض في صورة تراجع مساحة العمل النقابي المستقل، وإحجام العمال عن المطالبة بشروط عمل أفضل خوفاً من الانتقام، واضطراب حياة آلاف العاملين في قطاعات تصدّر للسوق الأوروبية، كما أن قمع الحقوق المدنية يحدّ من مساحة المجتمع المدني في تتبّع انتهاكات البيئة والعمل المرتبطة بمشروعات استثمارية، ما قد يؤدي إلى انتهاكات بيئية واجتماعية يصعب معالجتها لاحقاً، واقتصادياً، استمرار سجال الحقوق قد يعرّض الشركات الأوروبية لمخاطر سلسلة التوريد التي تفتقر إلى ضمانات احترام حقوق العمال، كما يضع علامة استفهام على مدى استدامة المكاسب التجارية على المدى الطويل. 

ردود حقوقية ودولية

منظمات دولية وإقليمية مثل هيومن رايتس ووتش وفريدوم هاوس طالبت الاتحاد الأوروبي بمراجعة سياسته وباتّباع نهج أكثر حزما، بما في ذلك إمكانية اللجوء إلى آليات الشكاوى الرسمية المنصوص عليها في بنود التزام العمل والحوكمة، وقدمت منظمات مدنية شكاوى رسمية إلى هيئات أوروبية في 2025، معتبرة أن فيتنام انتهكت التزاماتها المتعلقة بحقوق العمل وحماية المجتمع المدني، وبدورها، عبرت مؤسسات دولية عن القلق من توقيف المدافعين عن حقوق العمال والبيئة والقيود على حرية التعبير، مطالبين بآليات تحقيق ومساءلة مستقلة.

الإطار القانوني الدولي والالتزامات العمالية

يشترط اتفاق EVFTA والتزامات الاستدامة المرتبطة به أن تلتزم فيتنام بالمعايير الأساسية لمنظمة العمل الدولية، لا سيما حرية تكوين النقابات والحقوق التفاوضية، ورغم الوعود المتكررة، ظلّ تصديق عدد من مواثيق العمل الأساسية قيد التأخر أو التنفيذ الجزئي، مما أثار انتقادات من مكتب العمل الدولي ومنظمات نقابية عالمية تؤكد أن التقدم القانوني وحده لا يكفي من دون تنفيذ فعلي وتمكين نقابي مستقل على أرض الواقع. 

بماذا يطالب المجتمع المدني والاتحاد الأوروبي؟

المطالَبات الرئيسية تتجه نحو ربط الامتيازات التجارية بمعايير تنفيذية واضحة تتمثل في تفعيل آليات شكاوى وإجراءات تصعيدية داخل بنود الاتفاقية، وفرض تدابير عقابية مستهدفة ضد مسؤولين أو كيانات في حال ثبوت انتهاكات، ودعم برامج بناء القدرات للعمال ونقاباتهم ولمنظمات المجتمع المدني، كما يطالب خبراء بمتابعة تعاونية مع منظمة العمل الدولية لتسريع التصديق على الاتفاقيات الأساسية وإيجاد خريطة طريق زمنية قابلة للقياس. 

اتفاقية EVFTA وفرت منصّة اقتصادية واسعة، لكن غياب آليات تطبيق حقوقية صارمة سمح باستمرار قمع الحريات في فيتنام دون ثمن سياسي كافٍ، حماية حقوق الإنسان وحقوق العمال ليست رفاهية أخلاقية فحسب، بل هي شرط للاستدامة الاقتصادية للمشروعات والشراكات، إن فشل تحويل التعهدات إلى واقع عملي يضع علامة على ضرورة إعادة تصميم آليات الحكم في الاتفاقيات التجارية بحيث تكون العدالة والكرامة جزءاً لا يتجزأ من شروط الانخراط الاقتصادي. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية