التصريحات "المسيئة" للرسول.. زوبعة في مسار علاقات الهند بالدول العربية والإسلامية

التصريحات "المسيئة" للرسول.. زوبعة في مسار علاقات الهند بالدول العربية والإسلامية
احتجاجات رافضة للتصريحات الهندية المسيئة

برفض رسمي واحتجاجات شعبية، واجهت الدول العربية والإسلامية، التصريحات المسيئة لنبي الإسلام محمد -صلى الله عليه وسلم- التي أدلى بها مسؤولان اثنان في حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم بالهند.

وخلال اليومين الماضيين، أثارت التصريحات الهندية، احتجاجات شعبية ورفضا واسعا عبر منصات التواصل الاجتماعي في الدول العربية والإسلامية.

وبذلت الهند مساعي للتهدئة عقب تزايد الغضب من التعليقات المثيرة للجدل، إذ أعلن الحزب الحاكم تعليق عمل المسؤولين الاثنين في الحزب الحاكم، على خلفية تصريحاته المسيئة للنبي والإسلام، وفق إعلام محلي.

وكانت المتحدثة باسم حزب "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي الحاكم، نوبور شارما، أدلت بتصريحات مسيئة للرسول محمد في مناظرة متلفزة الشهر الماضي، بينما قام نافين جيندال، الذي كان الرئيس الإعلامي لوحدة دلهي بالحزب، بنشر تغريدة بشأن ذلك.

ودشن رواد منصات التواصل العربية، هاشتاغا (وسما) باسم “إلا رسول الله يا مودي” (في إشارة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي)، داعين إلى مقاطعة المنتجات الهندية في مختلف الدول العربية والإسلامية.

وترتبط الهند والدول العربية، خاصة الدول الخليجية بعلاقات اقتصادية متينة، إذ بلغ التبادل التجاري بين الجانبين إلى نحو 100 مليار دولار سنويا.

وتسعى الهند بصفتها ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، إلى توفير نحو 65% من احتياجاتها من الطاقة من الدول الخليجية.

بالتوازي، تعد الدول الخليجية أكثر مناطق العالم جذبا للعمالة الهندية، حيث تستوعب نحو 8 ملايين هندي، يرسلون بدورهم حوالات بمليارات الدولارات لبلادهم.

 احتجاجات واسعة

وبحسب خبراء تحدثت معهم "جسور بوست" فإن أزمة التصريحات المسيئة، هي مجرد عرض لمرض الأزمة الطائفية، التي تعيشها الهند منذ صعود حزب بهاراتيا جاناتا، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى سدة الحكم في عام 2014. 

ويرتكز الحزب على أفكار قومية هندوسية متشددة، ترى أن الهند يجب أن تكون للهندوس فقط، وهو ما أدى لانتشار خطاب الكراهية والهجمات ضد المسلمين، الذي يشكلون نحو 13% من عدد السكان البالغ نحو 1.3 مليار نسمة.

ونظم مسلمو الهند احتجاجات شعبية ضد التصريحات المسيئة، في مدينتي كانبور ومومباي وغيرها، تخللتها أعمال شغب، ما أدى إلى اعتقال عشرات المتظاهرين. 

بدورها أدانت قطر والكويت والسعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان ومصر وباكستان وإيران، إضافة إلى منظمة التعاون الإسلامي (تضم 57 دولة)، ومجلس التعاون الخليجي، والمجلس الأعلى للدولة الليبية، والأزهر الشريف، وهيئة كبار العلماء بالسعودية، التصريحات الهندية المسيئة في بيانات منفصلة.

واستدعت وزارات الخارجية في قطر والكويت وإيران سفراء الهند لديها، لتسليمهم مذكرات احتجاج رسمية على التصريحات المسيئة للنبي محمد.

بالمقابل قالت وزارة الخارجية الهندية، في بيان، إن التصريحات المسيئة للرسول محمد لا تعبر عن الحكومة ولا تعكس وجهة نظرها. 

أيديولوجية إقصائية

بدوره، قال الباحث السياسي في الشؤون الإقليمية، سمير السيد لـ"جسور بوست"، إن أزمة التصريحات المسيئة للرسول ليست إلا عرضا لمرض حقيقي وهو الطائفية التي ضربت الهند منذ صعود حزب مودي إلى السلطة في 2014. 

وأضاف أن حزب مودي له نزعة قومية يرى أن الهند وطن للهندوس فقط، وكل الآخرين ليسوا إلا ضيوفًا ولا يجب أن يتمتعوا بحقوق كالتي يتمتع بها الهندوس، لأنهم ليسوا مواطنين حقيقيين. 

وأكد أن حزب "بهاراتيا جاناتا" يعتبر أن المسلمين غزاة وعندما جاؤوا إلى الهند سواء عن طريق رحلات التجارة أو فيما بعد بحملات عسكرية، كانوا غزاة، وبالتالي لا يستحقون العيش في الهند. 

وأشار إلى أن هذه النظرة هي السبب الرئيسي في تصاعد الطائفية في الهند، وما نشهده من اعتداءات متكررة على المسلمين طوال السنوات الأخيرة. 

وتوقع أن تنجح الهند في احتواء الأزمة، لأنها تحتاج للدول العربية سيما الخليجية، سواء للحصول على النفط أو لتأمين مستقبل العمالة الهندية، أو لتعزيز الشراكات التجارية في المجالات الأخرى. 

وأضاف السيد أن "الهند تسعى أيضا بصفتها دولة صناعية كبرى (حجم اقتصادها يتجاوز 3 تريليونات دولار) إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية بدول الشرق الأوسط المسلمة، في إطار سعيها لتعزيز نفوذها في العالم". 

وتوقع أن هذه الأزمة ستمر بالفعل، وأن رئيس الوزراء مودي قادر على تهدئة الأوضاع، لأنه سياسي محنك، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في تصاعد الحس الطائفي في البلاد. 

وتابع: "هناك مشكلة أخرى، وهي أن هذه الأزمة ستضع الطائفية ضد المسلمين في الهند تحت مجهر الدول الإسلامية، وسيظل مودي محاصرا بين إرضاء الداخل ذي الأغلبية الهندوسية المتطرفة من جانب، وترضية الدول الإسلامية من جانب آخر".

وأكد أن "رئيس الوزراء الهندي يحاول منذ تولي منصبه، عدم وصول النزعة الطائفية إلى السياسة الخارجية، حتى لا تتأثر علاقات الهند بحلفائها خاصة مع الدول الإسلامية، لكن هذه الأزمة أضاعت كل محاولاته السابقة". 

وأوضح أن "الواقعة واجهت وابلا من الإدانات بسبب أن التصريحات جاءت من مسؤولين في الحزب الحاكم، أي أنها تمثل رأي الحكومة، وهذه حقيقة فالحزب والحكومة يحملان أفكارا قومية متطرفة".

صفيح ساخن

ومن جهته، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عادل أحمد حسن، لـ"جسور بوست"، إن الهند لا تستطيع أن تستغني عن علاقاتها بالدول العربية والإسلامية، خاصة دول الخليج، كما لا ترغب تلك الدول في تراجع علاقاتها مع الهند. 

وأضاف حسن أن "ما حدث كان متوقعًا، فالهند على صفيح ساخن منذ صعود حزب مودي إلى السلطة، لأن أفكار الحزب طائفية ومتطرفة إلى حد كبير".

فيما أشار إلى أن الهند تحتاج لتوطيد علاقاتها مع الدول الخليجية، لأنها ضمن أكبر مستوردي النفط في العالم، والخليج يستطيع أن يؤمن لها أكثر من نصف احتياجاتها من البترول. 

وأوضح السفير حسن أنه من الطبيعي أن تتراجع الهند أمام الغضب الإسلامي، خاصة وأن مواقف الدول الإسلامية والمنظمات الإسلامية الكبيرة مثل الأزهر ومنظمة التعاون الإسلامي متطابقة وموحدة. 

ومضى مؤكدا: "الهند ستسعى لاحتواء الأزمة وإرضاء شركائها من العالم العربي والإسلامي، بإصدار اعتذار رسمي"، مستبعدا أن تؤثر تلك الأزمة على حجم العلاقات مع الهند، لأنها دولة كبيرة ومهمة ومؤثرة.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية