حق يواجه ابتزاز الرسوم.. سياسات ترامب بشأن التأشيرات تترك المرضى بلا علاج
حق يواجه ابتزاز الرسوم.. سياسات ترامب بشأن التأشيرات تترك المرضى بلا علاج
تتصدر قضية فرض رسوم باهظة على تأشيرات العمل للأطباء والعاملين الأجانب في القطاع الصحي واجهة النقاش الحقوقي في الولايات المتحدة، حيث تلتقي حقوق المهاجرين بحقوق المرضى والمجتمع الأوسع في الحصول على الرعاية الصحية.
وبين قرارات إدارة الرئيس دونالد ترامب من جهة، وتحذيرات المجموعات الطبية من جهة أخرى، يتضح أن القضية لا تتعلق فقط بالهجرة أو بسوق العمل، بل بحقوق أساسية تمس حياة الناس وصحتهم وكرامتهم.
وفي قلب هذا الجدل، تبرز رسوم قدرها 100 ألف دولار أمريكي على تأشيرات H-1B التي يعتمد عليها مئات الآلاف من الأطباء والممرضين والمهنيين الأجانب.
وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة تعتمد على هؤلاء العاملين في المناطق الريفية والمحرومة من الخدمات، فإن التداعيات الحقوقية لهذه السياسة تبدو عميقة، حيث يصبح ملايين المرضى ضحايا غير مرئيين لقرار إداري يُقيد وصول الكفاءات الطبية.
النظام الصحي الأمريكي
كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن ما يقرب من ربع القوى العاملة الطبية في الولايات المتحدة يتكون من أطباء مدرَّبين في الخارج، وأن هؤلاء يشغلون مواقع أساسية غالبًا ما يتجنبها الأطباء الأمريكيون، مثل الطب النفسي والرعاية الأولية وطب الأطفال.
وتضيف الصحيفة أن المستشفيات في المناطق الريفية تعتمد عليهم بشكل شبه كامل، خاصة في ظل إغلاق بعض المرافق الصحية أو تقليص خدماتها بسبب الضغوط المالية.
يعمل هؤلاء الأطباء الذين يشغلون مواقع حرجة في أقسام الطوارئ أو في الرعاية المجتمعية، معظمهم بتأشيرات H-1B التي تُتيح للأجانب ذوي التعليم العالي العمل في "مهن متخصصة"، لكن قرار فرض رسوم قدرها 100 ألف دولار على كل تأشيرة يهدد بإفراغ هذه المستشفيات من كوادرها، ويمسّ مباشرة الحق في الصحة لملايين المواطنين الذين يعتمدون على هذه الكفاءات.
حذّر رئيس الجمعية الطبية الأمريكية، الدكتور بوبي موكامالا، بوضوح من أن هذه التكاليف الباهظة ستجعل من المستحيل على المستشفيات، خصوصًا غير الربحية منها، تعيين الأطباء الأجانب، واعتبر أن ذلك سيؤدي إلى شغور المناصب الطبية، وإطالة فترات الانتظار، وازدحام أقسام الطوارئ، ما يعني انتهاكًا مباشرًا لحق المرضى في الحصول على الرعاية العاجلة.
الحماية والانعكاسات الحقوقية
من جهتها، أبرزت صحيفة "واشنطن بوست" أن قرار ترامب يندرج ضمن حملة واسعة لتقييد الهجرة القانونية، تحت شعار حماية العمال الأمريكيين، فقد أعلن عن فرض الرسوم السنوية البالغة 100 ألف دولار على تأشيرات H-1B، إلى جانب إطلاق تأشيرة "البطاقة الذهبية" بقيمة مليون دولار للأجانب الأثرياء.
بهذا المعنى، يظهر التناقض الحاد بين منطق السياسة الاقتصادية – القائم على فرض رسوم مالية ضخمة وجعل الهجرة امتيازًا للأثرياء، وبين الحقوق الأساسية للمجتمع، حيث يتحول الحق في الصحة والعمل اللائق إلى رهينة قرارات مالية تعكس معايير الجدارة الاقتصادية أكثر من حاجات الناس الفعلية.
كما أشارت "واشنطن بوست" أيضًا إلى أن هذه الرسوم الجديدة قد تُشجع الشركات على إعادة تقييم قيمة العمال الأجانب، ما قد يؤدي إلى نقل العمليات إلى خارج الولايات المتحدة.
وفي قطاع حساس مثل الرعاية الصحية، يعني هذا ببساطة أن المستشفيات لن تجد البدائل، في وقت تواجه فيه البلاد نقصًا قد يصل إلى 86 ألف طبيب بحلول عام 2036، وفقًا لتقديرات الجمعية الطبية الأمريكية.
ضحايا السياسة الجديدة
الجانب الأكثر خطورة في هذه القضية هو أن المرضى، وخاصة في المناطق المهمشة، هم من سيدفعون الثمن الحقيقي. ووفقًا لما ورد في “نيويورك تايمز” يعتمد النظام الصحي الأمريكي على نصف مليون ممرض وممرضة من المهاجرين، أي ما يعادل واحدًا من كل ستة عاملين في القطاع التمريضي. ستفاقم رسوم التأشيرات الجديدة الضغوط المالية على المستشفيات، وتجعل من الصعب استقدام أو الاحتفاظ بهذه الكفاءات.
و يعني هذا الواقع أن فئات واسعة من المجتمع، من كبار السن إلى ذوي الأنراض المزمنة ومن سكان المناطق الريفية إلى الفقراء غير المؤمن عليهم، سيجدون أنفسهم أمام نظام صحي عاجز عن تلبية أبسط حقوقهم، وسيكون الانتظار الطويل في الطوارئ، وتقليص الخدمات الطبية، وحرمان المرضى من الرعاية التخصصية، كلها نتائج مباشرة لقرار إداري لم يضع في اعتباره أثره في حقوق الناس الأساسية.
وفي هذا السياق، يصبح الحديث عن "حماية الوظائف الأمريكية" خطابًا يتجاهل أن حماية الحياة والكرامة الإنسانية يجب أن تأتي أولاً، فالحقوق الصحية ليست ترفًا سياسيًا يمكن المساومة عليه برسوم باهظة أو بصفقات تأشيرات ذهبية، بل هي جوهر التزامات الدولة تجاه مواطنيها.
الطب والتعليم والحقوق
لم تأت الاعتراضات فقط من المستشفيات والجمعيات الطبية، بل امتدت إلى قطاع التعليم العالي، فقد نقلت "واشنطن بوست" عن نائبة الرئيس في المجلس الأمريكي للتعليم، سارة سبريتزر، قولها إن التغييرات ستكون "صعبة للغاية" على الجامعات التي تعتمد على عمال H-1B في مناصب التدريس، خاصة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
وبهذا، تتضح صورة أوسع: القيود المفروضة لا تؤثر فقط في المستشفيات أو شركات التكنولوجيا، بل في شبكة واسعة من المؤسسات التعليمية والصحية والخدمية التي تشكل بنية أساسية لحقوق الإنسان في المجتمع.
كما أن فرض رسوم تصل إلى 100 ألف دولار يجعل من الحق في العمل اللائق والانتقال المشروع للمهارات حقًا مشروطًا بالقدرة على الدفع، ما يتعارض مع المبدأ الحقوقي الأساسي القائم على المساواة وعدم التمييز، وبينما يُفتح الباب للأثرياء عبر "البطاقة الذهبية"، يُغلق في وجه آلاف الأطباء الذين يشكلون خط الدفاع الأول عن صحة الناس.
في النهاية، يظهر أن القرارات الجديدة لا تُهدد فقط مستقبل الهجرة القانونية، بل تهدد بنية حقوقية أساسية تتعلق بالمساواة، بالكرامة الإنسانية، وبالوصول إلى الرعاية الصحية. المرضى الذين ينتظرون في أقسام الطوارئ، والمستشفيات التي تبحث عن كفاءات لإنقاذ الأرواح، يجدون أنفسهم الآن ضحايا صامتين لسياسة تُعطي الأولوية للرسوم والبطاقات الذهبية على حساب حياة البشر.