حذف المصطلحات البيئية.. سياسة قمع لغوي تقوض الحق في العدالة المناخية

إجراء جديد لإدارة ترامب

حذف المصطلحات البيئية.. سياسة قمع لغوي تقوض الحق في العدالة المناخية
الماشية تُنتج غاز الميثان

أضافت وزارة الطاقة الأمريكية كلمتي "تغير المناخ" و"الانبعاثات" إلى قائمة الكلمات المحظورة في اتصالاتها الداخلية والخارجية، واعتُبر هذا الإجراء حلقة جديدة في سلسلة من سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب التي تستهدف التشكيك في الحقائق العلمية المرتبطة بالاحتباس الحراري أو التقليل من شأنها أو إخفائها عن الرأي العام.

ووفقا لصحيفة "بوليتيكو"، أدرجت الوزارة أيضًا كلمات أخرى مثل "الأخضر" و"إزالة الكربون" في قائمة الممنوعات داخل مكتب كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة، وهو المكتب الذي يُعدّ أكبر مستثمر حكومي في التقنيات المصممة لتقليل الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري والتلوث الناتج عن الوقود الأحفوري، وبهذا، جرى تقييد استخدام المصطلحات الأكثر صلة بحقوق الإنسان في بيئة صحية ومستدامة.

وأوضحت القائمة بأعمال مدير الشؤون الخارجية، راشيل أوفربي، في بريد إلكتروني داخلي أن على كل فرد من فريق الوزارة الالتزام بالقائمة الجديدة من الكلمات التي يجب تجنبها، مؤكدة ضرورة توخي الحذر بشأن استخدام مصطلحات لا تتوافق مع أولويات الإدارة.

وشملت التعليمات كل أشكال الاتصالات العامة والداخلية، بما في ذلك التقارير والإحاطات وطلبات التمويل الفيدرالي.

ومنعت وزارة الطاقة أيضًا استخدام مصطلح "الانبعاثات" بحجة تجنب الإيحاء بأنها سلبية، غير أن الحقائق العلمية تربط مباشرة بين ارتفاع الانبعاثات الناجمة عن حرق النفط والفحم والغاز وبين تغير المناخ وما يترتب عليه من كوارث طبيعية مدمرة تهدد أرواح الملايين.

التضييق على لغة الاستدامة

فرضت التعليمات الجديدة التخلي عن مجموعة مصطلحات أخرى مثل "التحول في مجال الطاقة"، و"الاستدامة"، و"الطاقة النظيفة أو القذرة"، و"بصمة الكربون"، و"الإعفاءات الضريبية".

ويمثل هذا التوجه خطوة إضافية لتقييد النقاش العام بشأن السياسات البيئية، ما ينعكس على الحق في المشاركة المجتمعية وفي معرفة السياسات المؤثرة في مستقبل البيئة والصحة العامة.

لم تُصدر وزارة الطاقة أي تعليق رسمي على هذه الإجراءات، بينما جاءت هذه السياسات بعد أيام من خطاب الرئيس دونالد ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث هاجم الإجراءات الدولية لمكافحة تغير المناخ، وقال ترامب في كلمته: "لقد كنتُ مُحقًا في كل شيء، وأقول لكم إنكم إن لم تتخلصوا من خدعة الطاقة الخضراء، فإن بلادكم ستفشل"، وفقا لوكالة "أسوشيتد برس".

ومن جانبه، واصل وزير الطاقة، كريس رايت، النهج ذاته عبر الترويج لتقرير قلّل من شأن دور الانبعاثات في تفاقم الظواهر الجوية المتطرفة، مؤيدًا بعضًا من أكثر نتائجه إثارة للجدل، بما فيها الادعاء بأن فوائد ارتفاع حرارة الكوكب أكبر مما يقدَّر.

وألغى رايت تمويلاً بقيمة 13 مليار دولار لمشاريع الطاقة المتجددة، وهاجم حوافز طاقة الرياح والطاقة الشمسية التي استمرت لأكثر من ثلاثة عقود، وقال: "إذا لم تتمكن من الاعتماد على نفسك بعد 33 عامًا، فقد لا تكون هذه تجارة قادرة على تحقيق نجاح".

إنكار علمي يهدد الأرواح

وصف الرئيس ترامب تغير المناخ أمام قادة العالم بأنه "أعظم خدعة مورست على العالم"، جاء هذا التصريح في وقت يراقب فيه قادة دول جزرية صغيرة ارتفاع مستوى البحار وهو يهدد بابتلاع منازلهم، بينما تواجه دول أخرى فيضانات وأعاصير وموجات حرّ أودت بحياة مواطنين، وكلها تفاقمت بفعل تغير المناخ.

وقالت سفيرة بالاو ورئيسة منظمة الدول الجزرية الصغيرة، إيلانا سيد، إن عدم اتخاذ إجراء بشأن تغير المناخ "سيكون خيانة للفئات الأكثر ضعفًا"، وردد إيفانز ديفي نجيوة من مالاوي هذا الموقف، مشددًا على أن "العالم يعرض حياة الأبرياء للخطر".

وأكدت نائبة رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أديل توماس، أن كوارث المناخ ليست مجرد بيانات، بل حقائق ملموسة ومدمرة، وقالت إنها شهدت بنفسها آثار إعصار ساندي عام 2012 على جزر البهاما ونيويورك.

وأضافت: "يمكن لملايين الناس حول العالم أن يشهدوا بالفعل على الدمار الذي ألحقه تغير المناخ بحياتهم.. الأدلة ليست مجردة، بل هي مُعاشة، وهي مُميتة، وتتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة".

الهجوم على الطاقة المتجددة

وبحسب "أسوشيتد برس"، واصل ترامب انتقاد الطاقة المتجددة، واصفًا مصادر مثل طاقة الرياح بأنها "مزحة" و"مثيرة للشفقة"، مدعيًا أنها غير فعالة ومكلفة، غير أن تقارير الأمم المتحدة أكدت أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أصبحت الآن الأرخص والأسرع لتوليد الكهرباء الجديدة.

وأشارت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إلى أن أرخص ثلاثة مصادر للكهرباء عالميًا العام الماضي كانت طاقة الرياح البرية، والألواح الشمسية، والطاقة الكهرومائية الجديدة.

وقال عالم المناخ مايكل مان إن السياسات الداعمة للوقود الأحفوري تُبقيه قائمًا بشكل مصطنع، مضيفًا أن السوق الحرة وحدها كانت ستعجل بانتهاء عصر الفحم والنفط.

وادعى ترامب أيضًا أن فواتير الكهرباء في أوروبا أصبحت أعلى بمرتين أو ثلاث مرات من الولايات المتحدة، بينما الواقع أن أسعار الكهرباء الأمريكية ارتفعت بوتيرة أسرع من التضخم منذ عام 2022، مع توقعات باستمرار ارتفاعها حتى 2026.

تقويض التعاون الدولي

انتقد ترامب اتفاقية باريس واصفًا إياها بـ"المزيفة"، مدعيًا أن الولايات المتحدة تتحمل عبئًا ماليًا أكبر من غيرها، لكن الاتفاقية الموقعة عام 2015 تقوم على التزامات طوعية متساوية، وتلزم الدول بتحديد أهداف وطنية للحد من الانبعاثات وتقديم دعم للدول الأكثر تضررًا.

منذ عام 1850، ساهمت الولايات المتحدة بنسبة 24% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، بينما لم تتجاوز مساهمة قارة أفريقيا بأكملها 3%، وتؤكد هذه الحقائق أن أي انسحاب أمريكي يضعف الحقوق الجماعية للدول النامية في الحماية من آثار التغير المناخي.

وأكد ترامب أن في البيت الأبيض قاعدة تنص على وصف الفحم فقط بـ"النظيف والجميل"، لكن علماء المناخ، مثل روب جاكسون من جامعة ستانفورد، حذروا من أن الفحم يقتل ملايين البشر سنويًا، واعتبر أن إنكار آثاره يُمثل خطرًا مباشرًا على الحق في الصحة والحياة.

كما وصف ترامب البصمة الكربونية بأنها "خدعة"، بينما أوضح عالم المناخ أندرو ديسلر أن المصطلح ابتكرته شركات النفط لتقليل مسؤوليتها وتحميل الأفراد العبء الأكبر.

بدأت بحوث تغير المناخ منذ 169 عامًا بتجارب أثبتت أن ثاني أكسيد الكربون يحبس الحرارة، وأكدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن النشاط البشري أدى بوضوح إلى ارتفاع حرارة الغلاف الجوي والمحيطات واليابسة، حتى تقارير إدارة ترامب عام 2018 اعترفت بأن آثار التغير المناخي أصبحت ملموسة داخل الولايات المتحدة.

الأبقار والميثان

كما سخر ترامب من دعاة البيئة، مدعيًا أنهم يريدون إنهاء تربية الأبقار، لكن الواقع أن الماشية تُنتج الميثان، وهو غاز دفيئة قوي، ويُسهم قطع الغابات لتربيتها في مضاعفة الانبعاثات.

وأكدت نوسا أوربانسيك أن خفض انبعاثات الميثان يمثل انتصارًا سريعًا لتحقيق أهداف المناخ، وليس دعوة لإنهاء الثروة الحيوانية.

واتهم ترامب أيضًا دولًا أخرى بالتسبب في تلوث الهواء والبحار، غير أن الخبراء أشاروا إلى أن التراجع الكبير في سلطة وكالة حماية البيئة الأمريكية تحت إدارته هو ما أدى إلى تدهور جودة الهواء والمياه محليًا، ووصفت الأستاذة المساعدة بجامعة إكستر، لوسي وودال، تصوير ترامب لمشكلة الحطام البحري بأنه "مضلل ومؤسف".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية