"نيويورك تايمز": باحثون يحذرون من البصمة الكربونية لتقنيات الذكاء الاصطناعي
"نيويورك تايمز": باحثون يحذرون من البصمة الكربونية لتقنيات الذكاء الاصطناعي
دخل الذكاء الاصطناعي التوليدي مرحلة الاستخدام الواسع، من محركات البحث، إلى البريد الإلكتروني، مرورًا بمساعدة الطلاب في أداء واجباتهم، وتسابقت شركات التكنولوجيا الكبرى لتطوير نماذج أكثر تطورًا بهدف جذب المستخدمين، لكن هذا التوسع الرقمي يفرض تكلفة بيئية ثقيلة.
ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم الخميس، أن تقريرا صدر عن وزارة الطاقة الأمريكية عام 2023 كشف أن توسّع استخدام الذكاء الاصطناعي قد يُضاعف من استهلاك مراكز البيانات للطاقة، لتصل إلى 12% من إجمالي إمدادات الكهرباء بحلول عام 2028، ارتفاعًا من 4.4% فقط في الوضع الحالي، ولتلبية هذا الطلب، يُتوقع أن تعتمد بعض محطات الطاقة مجددًا على الفحم والغاز الطبيعي، ما يُعزّز من انبعاثات غازات الدفيئة.
وحلل باحثون في جامعة ميونيخ للعلوم التطبيقية، عبر دراسة نُشرت في مجلة “فرونتيرز إن كوميونيكيشن”، 14 نموذجًا لغويًا كبيرًا (LLMs)، من خلال 1000 سؤال متنوع، نصفها اختيار من متعدد، والنصف الآخر إجابة حرة، موزعة على خمسة مجالات معرفية مختلفة.
قاد الدراسة طالب الدكتوراه ماكسيميليان داونر، الذي راقب أداء النماذج في الإجابة وحجم الطاقة المستهلكة في كل تفاعل، ثم حوّل استهلاك الطاقة إلى ما يعادل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، باستخدام المتوسط العالمي.
وأشار داونر إلى أن "النماذج الأكبر ليست دائمًا الأفضل"، وقال: "عند التعامل مع أسئلة بسيطة، تكفي النماذج الصغيرة التي تُعطي أداءً جيدًا بتكلفة بيئية أقل.. يجب علينا اختيار النموذج المناسب لكل مهمة".
طريقة استدلال الروبوتات
وأظهرت الدراسة أن روبوتات الدردشة التي تُظهر طريقة استدلالها خطوة بخطوة أثناء الإجابة تستهلك طاقة أكبر بشكل ملحوظ لكل سؤال، ومع ذلك، لم تُقدم هذه النماذج نتائج أدق بكثير من تلك التي لا تُفصح عن استدلالها.
وأنتج النموذج الذي سجّل أعلى انبعاثات، "ديب سيك أر1"، نتائج بدقة تماثل نماذج أخرى أنتجت ربع حجم الانبعاثات فقط، وأوضح داونر أن الموضوعات التي تتطلب من النموذج إنتاج إجابات طويلة، تؤدي غالبًا إلى استهلاك أعلى للطاقة، مقارنة بمواضيع أكثر مباشرة مثل التاريخ أو الحقائق العامة.
استبعدت الدراسة النماذج التجارية الأكثر شهرة، مثل "شات جي بي تى" من شركة "أوبن أيه أي" و"جيميني" من شركة "غوغل"، لأنها ركّزت فقط على النماذج مفتوحة المصدر.
لم تُقارن الانبعاثات الفعلية لكل نموذج بدقة حسب الموقع الجغرافي لمراكز البيانات، وإنما استُخدم معدل عالمي عام لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ما يُعد تقديرًا وليس رقمًا دقيقًا، حسب ما أوضح الباحثون.
وقال الباحث العلمي البارز في معهد ألين للذكاء الاصطناعي، الدكتور جيسي دودج، والذي لم يشارك في الدراسة، إن: "الانبعاثات تختلف حسب مصادر الطاقة في كل بلد.. فبعض مراكز البيانات تعتمد على الطاقة المتجددة، بينما يعتمد البعض الآخر كليًا على الوقود الأحفوري".
قاد الدكتور دودج دراسة عام 2022 قارنت بين الانبعاثات الناتجة عن تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي في 16 منطقة جغرافية مختلفة، ووجد أن الولايات المتحدة الوسطى، في فترات معينة من العام، تولّد انبعاثات تزيد بثلاثة أضعاف عن تلك المسجلة في بلدان مثل النرويج، التي تعتمد على مصادر طاقة نظيفة.
دقة الأداء في الذكاء الاصطناعي
رغم القيود، أشاد الدكتور دودج بالدراسة الجديدة، معتبرًا أنها تُقدّم أول مقارنة مباشرة بين استهلاك الطاقة ودقة الأداء في الذكاء الاصطناعي التوليدي، وقال: "من المعروف أن النماذج الأكبر تؤدي بشكل أفضل، لكنها تُكلف مناخيًا بشكل أكبر أيضًا".
وأكّد ماكسيميليان داونر أن طول الإجابة هو أحد العوامل المركزية التي تؤثر في حجم الانبعاثات، قائلًا: "عندما يحتاج النموذج إلى استخدام عملية استدلال لإجابة سؤال في مادة معقدة، مثل الرياضيات، فإن كمية الانبعاثات ترتفع حتمًا".
وشددت رئيسة قسم الذكاء الاصطناعي والمناخ في شركة "هاجينغ فيس"، الدكتورة ساشا لوتشيوني، على أن طبيعة المحتوى أقل أهمية من طول المخرجات النصية، وهو ما يرتبط بطريقة تدريب النموذج.
أوضحت لوتشيوني أن عدد النماذج التي شملتها الدراسة صغير نسبيًا، مما لا يسمح بتكوين صورة شاملة عن التأثير البيئي لجميع نماذج الذكاء الاصطناعي المتوفرة في السوق.
دراسات تُؤكد الاتجاه نفسه
نَشرت الدكتورة لوتشيوني العام الماضي دراسة شملت 88 نموذجًا مختلفًا، وخلصت إلى أن النماذج الأكبر تصدر في الغالب انبعاثات أعلى، وأظهرت النتائج أن عمليات توليد النصوص عبر الذكاء الاصطناعي تستهلك طاقة تفوق بعشرة أضعاف مهام الذكاء الاصطناعي التقليدية، مثل فرز البريد الإلكتروني.
وأضافت لوتشيوني أن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في مهام بسيطة –مثل الحسابات أو الإجابات المباشرة– يُعد إهدارًا للطاقة، قائلة: "لا حاجة لاستخدام نموذج لغوي ضخم كآلة حاسبة.. يمكننا فقط استخدام الآلة الحاسبة".
وحذّرت لوتشيوني من أن المستخدم العادي لا يحتاج في أغلب الأحيان إلى إمكانات نماذج ماجستير القانون (LLMs)، خصوصًا إذا كان الغرض هو البحث عن معلومة دقيقة أو إجراء عملية حسابية بسيطة.
وأكّدت أن أدوات الذكاء الاصطناعي التقليدية، مثل محركات البحث، لا تزال تؤدي هذه المهام بكفاءة أعلى وبتكلفة بيئية أقل.
قالت لوتشيوني: "نحن نعيد اختراع العجلة"، وأضافت: "استخدم الأداة الصحيحة للوظيفة المناسبة، هذه القاعدة تنطبق على الذكاء الاصطناعي كما تنطبق على أي تقنية أخرى".