عام شينباوم الأول.. ماذا تحقق بين وعود العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان في المكسيك؟

عام شينباوم الأول.. ماذا تحقق بين وعود العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان في المكسيك؟
كلوديا شينباوم

دخلت المكسيك مرحلة سياسية جديدة مع تولي كلوديا شينباوم منصبها كأول رئيسة في تاريخ البلاد، في سبتمبر 2024، وقد حملت شينباوم وعوداً بمواصلة مشروع "الثورة الرابعة" الذي أطلقه سلفها أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، مؤكدة أن أولوياتها ستتمحور حول مكافحة الفقر وتعزيز برامج الدعم الاجتماعي، ولكن بعد عام من الحكم، تبدو الصورة متناقضة فبينما أُحرز تقدم في بعض الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، لا تزال التحديات الأمنية، والانتهاكات الحقوقية، والتراجع الديمقراطي حاضرة بقوة، لتكشف عن مفترق طرق حاسم في مستقبل البلاد.

بحسب تقرير أوردته شبكة "WOLA" الرائدة في مجال البحث والدعوة في مجال حقوق الإنسان في الأمريكتين قدمت شينباوم في تقريرها السنوي الأول إشارات واضحة إلى استمرار برامج حكومتها في مكافحة الفقر، حيث رفعت الحد الأدنى للأجور وعززت برامج الرعاية الاجتماعية التي يستفيد منها الملايين في المكسيك، وهي خطوات أسهمت في تخفيف الفجوة بين الشرائح الأكثر هشاشة وبقية المجتمع، ووفقاً لتقارير رسمية، انخفضت معدلات الفقر المدقع بشكل نسبي خلال الأشهر الأولى من حكمها، بينما استقر التضخم في حدود مقبولة مقارنة بالأزمات الاقتصادية السابقة.

لكن هذه الإنجازات، رغم أهميتها، جاءت محاطة بانتقادات واسعة من منظمات محلية ودولية لغياب رؤية متكاملة لربط البرامج الاجتماعية بإصلاحات هيكلية طويلة الأمد، خاصة في مجالات التعليم، والعدالة، وتوزيع الفرص الاقتصادية.

الملف الأمني

أشارت شينباوم إلى أن جرائم القتل العمد انخفضت بنسبة 25.3% بين سبتمبر 2024 ويوليو 2025، وهو تراجع يُحسب للحكومة، لكن المعدلات لا تزال من بين الأعلى عالمياً، مع استمرار النزاعات المسلحة بين العصابات، خصوصاً في ولايات مثل سينالوا، وفي الوقت ذاته، ارتفعت جرائم الابتزاز، فيما تواصل أزمة المفقودين تصاعدها، حيث تجاوز عددهم 133 ألف شخص حتى منتصف 2025، وفق اللجنة الوطنية للبحث. هذه المعطيات تُظهر أن المكسيك لا تزال غارقة في معركة طويلة ومعقدة ضد العنف المنظم، مع تداعيات مباشرة على حياة ملايين الأسر.

أحد أبرز الملفات المثيرة للجدل كان الإصلاح القضائي الذي نصّ على انتخاب جميع قضاة البلاد، وهو ما اعتبرته الحكومة خطوة لتعزيز الديمقراطية، غير أن منظمات مثل هيومن رايتس ووتش رأت أن العملية افتقرت إلى التنافسية والنزاهة، إذ أظهرت النتائج تطابقاً شبه كامل بين الفائزين وبين قوائم مرشحة من الحزب الحاكم، ودفع هذا المسار مراقبين دوليين إلى التحذير من تقويض استقلال القضاء وتحويله إلى أداة لتكريس الهيمنة السياسية، وهو ما يتناقض مع التزامات المكسيك الدولية في إطار العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

عسكرة المجال المدني

واصلت شينباوم نهج سلفها في تعزيز دور الجيش بالمجال المدني. فقد أُدمج الحرس الوطني في وزارة الدفاع، ما جعله جزءاً رسمياً من القوات المسلحة، كما أُقر قانون يمنح أجهزة الأمن صلاحية الوصول الفوري إلى البيانات الشخصية للمواطنين، ما أثار مخاوف جدية من توسع أدوات التجسس على الصحفيين والناشطين، وأكدت منظمات المجتمع المدني أن عسكرة الدولة لا توفر حلولاً مستدامة للأمن، بل تضعف المؤسسات المدنية وتُقيد الحريات.

عام شينباوم الأول تزامن مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو ما فرض تحديات على العلاقات الثنائية، ودفعت تهديدات واشنطن بفرض رسوم جمركية أو التدخل العسكري في "حرب المخدرات" حكومة المكسيك إلى اتخاذ خطوات احترازية، بينها نشر آلاف الجنود على الحدود وتسليم مطلوبين للسلطات الأمريكية خارج الأطر القضائية التقليدية، كما استمرت سياسة "المكسيك كسياج حدودي" في ملف الهجرة، حيث زادت عمليات اعتقال المهاجرين وقبول إعادتهم من الولايات المتحدة، وهذه الإجراءات تعرضت لانتقادات حقوقية واسعة، خاصة من منظمة العفو الدولية، التي اعتبرت أن حقوق المهاجرين واللاجئين تُنتهك بشكل منهجي.

قضايا النساء

أعلنت شينباوم أن المكسيك دخلت "عصر المرأة"، ورفعت شؤون المرأة إلى مستوى وزارة وأقرت إصلاحات دستورية تكفل المساواة، غير أن ميزانية 2025 افتقرت إلى التمويل الكافي لمعالجة قضايا النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف ضد النساء، الذي ما زال مرتفعاً مع تسجيل أكثر من 10 نساء يُقتلن يومياً وفق إحصاءات رسمية، وقد أوصت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة (سيداو) الحكومة باتخاذ إجراءات أوسع، منها تعزيز الحماية القانونية للناشطات وضمان وصول النساء إلى العدالة والخدمات الصحية.

من أبرز مظاهر الأزمة الحقوقية استمرار ظاهرة الاختفاء القسري التي طالت أكثر من 133 ألف شخص، ورغم إنشاء منصة موحدة لتحديد الهوية، اعتبر ناشطون أن الخطوات الحكومية غير كافية لمواجهة أزمة بهذا الحجم، وفي قضية أياوتزينابا، حيث اختفى 43 طالباً قبل 11 عاماً، لم يتحقق تقدم يُذكر خلال العام الأول من حكم شينباوم، ما أثار خيبة أمل ذوي الضحايا الذين يواصلون البحث عن الحقيقة والعدالة، وقُتل 12 من أقارب المفقودين خلال السنوات الخمس الماضية، ما يُبرز حجم المخاطر التي يواجهها المجتمع المدني في نضاله ضد الإفلات من العقاب.

الحرب على المخدرات

لفهم المشهد الراهن، لا بد من العودة إلى العقدين الماضيين فمنذ إعلان "الحرب على المخدرات" عام 2006، دخلت المكسيك دوامة من العنف قادت إلى مقتل مئات الآلاف وفقدان عشرات الآلاف، وعندما وصل لوبيز أوبرادور إلى الحكم في 2018، وعد بإرساء "الثورة الرابعة" عبر إصلاحات اجتماعية وسياسية، لكن عسكرة الأمن وتعزيز السلطة التنفيذية على حساب القضاء والبرلمان ظلت سمة بارزة، ومثل تولي شينباوم الحكم اختباراً جديداً لمعرفة ما إذا كانت المكسيك ستتجه نحو ترسيخ دولة القانون، أو ستواصل الانزلاق في مسار يضعف الديمقراطية ويعمّق الأزمات الإنسانية.

عام شينباوم الأول كشف عن تناقض بين التقدم الاجتماعي النسبي والتراجع في مؤشرات الديمقراطية وحقوق الإنسان، إن نجاحها في تحسين ظروف الفقراء ورفع الأجور لم يُخفِ واقع العنف المستمر، وأزمات القضاء، وتوسع العسكرة، وتفاقم ظاهرة الاختفاء القسري، وبينما تحتفل المكسيك بانتخاب أول رئيسة في تاريخها، يظل التحدي الأكبر هو مدى قدرة البلاد على التوفيق بين العدالة الاجتماعية وضمان سيادة القانون، وبين حماية الأمن واحترام حقوق الإنسان، فالرهان على "الثورة الرابعة" لا يزال قائماً، لكن نتائجه النهائية ستتوقف على قدرة الحكومة على الاستماع لمطالب المجتمع المدني والوفاء بالتزاماتها الدولية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية