بعد عقدين.. "الجنائية الدولية" تدين كوشيب بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور

بعد عقدين.. "الجنائية الدولية" تدين كوشيب بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور
المتهم في قضية دارفور علي كوشيب خلال محاكمته في المحكمة الجنائية الدولية بهولندا

أدانت المحكمة الجنائية الدولية القائد لميليشيات الجنجويد، علي محمد علي عبد الرحمن المعروف بـعلي كوشيب، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور غربي السودان، لتصبح هذه الإدانة الأولى من نوعها منذ اندلاع النزاع الذي أودى بحياة مئات الآلاف قبل أكثر من عشرين عامًا.

وصدر الحكم يوم الاثنين في مقر المحكمة بلاهاي، بعد محاكمة استمرت لسنوات، خلصت إلى إدانة كوشيب في سبعٍ وعشرين تهمة، تتعلق بهجمات شنّتها قواته بين أغسطس 2003 ومارس 2004 على قبائل الفور والمساليت ومجتمعات غير عربية أخرى، وشملت الجرائم القتل والاغتصاب والتعذيب والاضطهاد والاعتداء على المدنيين في بلدات كتم وبندسي ومكجر ودليج، وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.

وأكدت المحكمة الجنائية الدولية، في حكم مؤلف من 355 صفحة، أن كوشيب أمر ودعم وشارك بشكل مباشر في هجمات واسعة النطاق ومنهجية، أدت إلى عمليات قتل جماعي ونزوح قسري لعشرات الآلاف من المدنيين.

وجاء في تفاصيل الحكم أن ميليشيات الجنجويد التي سلحتها ودعمتها قوات الأمن السودانية، كانت جزءًا من حملة منظمة استهدفت الجماعات غير العربية في دارفور، ما أسفر عن حرق قرى بكاملها وإعدام رجال ميدانيًا واغتصاب النساء، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في مطلع القرن الحادي والعشرين.

شهادات تكشف الفظائع

استندت المحكمة إلى عشرات الشهادات الموثقة التي عرضت مشاهد مأساوية من تلك الفترة، وأفاد أحد الشهود بأن مقاتلي الجنجويد أطلقوا النار عشوائيًا على سكان بلدة كانوا يحاولون الفرار لإنقاذ حياتهم، في حين روت شهادة أخرى قصة أبٍ جريحٍ حثّ أبناءه على الهرب وتركه لمصيره، مع تقدم الميليشيا نحو قريتهم.

وسلّم علي كوشيب نفسه للمحكمة في عام 2020، بعد سقوط نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي ظل متحصنًا بالسلطة لأكثر من عقد، ويُعد هذا الحكم أول خطوة فعلية نحو محاسبة المسؤولين عن جرائم دارفور، حيث لا يزال عدد من المتهمين، بينهم البشير ووزيرا داخليته ودفاعه السابقان، أحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين، فارين من العدالة.

ومن المنتظر أن تحدد المحكمة لاحقًا العقوبة المناسبة، في حين يظل الحكم قابلاً للاستئناف، وسيفتح باب التعويضات للضحايا وأسرهم.

رحبت نائبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، نزهت شميم خان، بالحكم ووصفته بأنه خطوة حاسمة نحو سد فجوة الإفلات من العقاب في دارفور، مؤكدة أن القرار يبعث رسالة قوية لكل من ارتكب فظائع في السودان بأن العدالة ستنتصر في النهاية.

كما أشاد المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، بالحكم ووصفه بأنه اعتراف مهم بالمعاناة الهائلة التي تكبدها ضحايا دارفور، وإنصاف طال انتظاره.

ماضٍ مؤلم وحاضرٍ مضطرب

تأتي هذه الإدانة في وقت تتجدد فيه أعمال العنف في إقليم دارفور، وسط الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي تشكلت أساسًا من بقايا ميليشيات الجنجويد، وتشير التقارير إلى تصاعد القتال ووقوع مجازر جديدة تستهدف جماعات عرقية، خصوصًا في مدينة الفاشر التي شهدت خلال سبتمبر الماضي مقتل أكثر من تسعين مدنيًا في هجمات نفذتها قوات الدعم السريع.

بدأ الصراع في دارفور عام 2003 عندما حملت حركات متمردة السلاح ضد حكومة الخرطوم احتجاجًا على التهميش السياسي والاقتصادي، وردت الحكومة بدعم ميليشيات عربية عرفت لاحقًا باسم الجنجويد، التي شنت حملة عنيفة تسببت في مقتل نحو 300 ألف شخص وتشريد الملايين.

وفي عام 2005، أحال مجلس الأمن الدولي الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية بموجب القرار 1593، ما فتح الباب أمام ملاحقة قادة النظام السوداني وقيادات الميليشيات.

ويُنظر إلى إدانة كوشيب اليوم على أنها لحظة مفصلية في مسار العدالة الدولية، ورسالة بأن جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم، وأن أصوات الضحايا، وإن تأخرت، لا تُنسى.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية