على هامش الأرض.. النساء العاملات في حقول إيران يكافحن لإعالة أسرهن
على هامش الأرض.. النساء العاملات في حقول إيران يكافحن لإعالة أسرهن
تواجه العاملات في المزارع الإيرانية واقعًا مريرًا عبر أنحاء البلاد، يختزل ملامح الفقر والتعب والإصرار في آنٍ واحد، ففي أطراف القرى والمدن، تخرج نساء منذ بزوغ الفجر نحو الحقول، يقطفن الحمص والبطاطس والطماطم، ويكسبن قوت يومٍ بالكاد يكفي لإعالة أسرهن، في ظل غياب أي تأمين صحي أو دعم اقتصادي يضمن لهن حياة كريمة.
وتعمل هؤلاء النساء بأجرٍ يومي متدنٍ ودون أمانٍ وظيفي، في حين تعرّضهن ساعات العمل الطويلة تحت الشمس للأمراض الجلدية وآلام المفاصل، في وقتٍ لا يملكن فيه سوى الصبر زاداً وحيداً على الطريق الشاق نحو البقاء، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم السبت.
وتُكابد العاملات في الحقول ظروفًا شديدة الصعوبة، إذ يعملن بلا أدوات واقية ولا ملابس مناسبة تقيهن حرارة الشمس أو الأشواك الحادة، وتترك سنوات العمل آثارها العميقة في أجسادهن، حيث تحمل أيديهن وأكتافهن ندوبًا تشهد على عقودٍ من الجهد الصامت في خدمة الأرض.
وفي كثير من المناطق، تنتظر النساء في مجموعات مع بداية كل موسم حصاد على أمل العثور على فرصة عمل، أو على الأقل الحصول في نهاية اليوم على جزء بسيط من المحصول تعويضاً رمزياً عن يومٍ شاق.
ولا يفرّق هذا العمل بين الأعمار، فالصغيرات والعجائز يقفن جنبًا إلى جنب في صفوفٍ طويلة، يحملن سلال الطماطم والبصل، في مشهدٍ يتكرر منذ أجيال دون أن يتغير سوى عدد التجاعيد على الوجوه.
صوت من قلب الحقل
تروي العاملة زهرة نصيري، وهي امرأة في العقد السادس من عمرها، قصتها بمرارةٍ ممزوجةٍ بالإصرار: "نتقاضى ستمئة ألف تومان في اليوم، وهو مبلغ ضئيل لا يوازي تعبنا، وحتى لو بلغ المليون فلن يكون كافيًا، لكن لا خيار أمامنا، فلا عمل آخر ونحن مضطرات للعيش".
وتضيف زهرة التي بدأت العمل الزراعي منذ أكثر من ثلاثة عقود: "يبدأ يومنا من الفجر، والعرق يغمر وجوهنا، لا فرق بين حر الصيف أو برد الشتاء، فالأقساط ومصاريف البيت لا تنتظر.. تراكمت علينا الديون ولم يبقَ لنا سوى الأرض الجافة والشمس اللاهبة.
وتساءلت: هل يمكن لامرأة في الستين أو السبعين أن تتحمل هذا العمل إن لم تكن مجبرة؟ نعمل ثماني ساعات في الحقول وست ساعات في الطريق دون أي لحظة راحة".
وتعكس كلمات زهرة واقع آلاف النساء اللواتي يواجهن الحياة بقبضاتٍ متشققة وظهورٍ منحنية، يزرعن ما لا يأكلن، ويحصدن ما لا يملكن.
نساء على هامش الأرض
تغيب عن هؤلاء العاملات أدنى حقوق العمل من تأمينٍ صحي أو ضمانٍ تقاعدي، لتتحول سنوات الجهد إلى معاناةٍ بلا مقابل حين تخذلهن أجسادهن، وبينما ينتهي الموسم ويغادر الرجال الحقول إلى أعمالٍ أخرى، تبقى النساء في المزارع، ينتظرن موسمًا جديدًا يعيد إليهن فرصة الكدح من أجل البقاء.
وتشير منظمات نسوية إلى أن العاملات الزراعيات يشكلن ركيزةً أساسية في الأمن الغذائي، لكنهن يعشن في الهامش، بلا تمثيلٍ نقابي أو مظلة قانونية تضمن حقوقهن، في حين يظل ملف تأمينهن الاجتماعي غائبًا عن السياسات الحكومية.
وتُجسّد العاملات في المزارع صورة الكفاح الصامت في مواجهة الفقر والإقصاء، فهنّ يحرثن الأرض ويزرعن الحياة في صمت، في حين تبقى أصواتهن خافتة أمام ضجيج المدن.
ورغم أن أجسادهن أرهقها العمل والسنون، فإنهنّ لا يزلن يقفن كل صباحٍ في مواجهة الشمس، بأملٍ لا يموت بأن يأتي يومٌ تُصافح فيه أيديهن المتشققة شيئًا من العدالة.










