استغلال ممنهج.. النساء في الصناعات الصغيرة بإيران عاملات بلا حقوق
استغلال ممنهج.. النساء في الصناعات الصغيرة بإيران عاملات بلا حقوق
تُعاني النساء العاملات في الصناعات الصغيرة وغير الرسمية في إيران من واقع قاسٍ يتجاوز حدود الفقر الاقتصادي إلى أشكال أعمق من الاستغلال الجندري الممنهج، إذ يعملن في بيئات تفتقر إلى أدنى معايير الحماية القانونية، ويواجهن ساعات عمل طويلة وأجورًا متدنية، دون عقود رسمية أو تأمين اجتماعي، ما يُحوّل أجسادهن إلى أدوات إنتاج مرهقة.
وتؤكد التقارير الميدانية أن النساء يشكلن العمود الفقري للصناعات الصغيرة والمتوسطة في إيران، خصوصًا في مجالات تعبئة المواد الغذائية وصناعة الألبان والمنسوجات، إلا أن حضورهن يتركز في قطاعات غير رسمية تُدار غالبًا خارج رقابة الدولة، حيث تُفرض عليهن ظروف عمل قاسية وأجور زهيدة لا تتناسب مع الجهد المبذول، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الأحد.
تعمل هؤلاء النساء 12 إلى 15 ساعة يوميًا في خطوط إنتاج سريعة الإيقاع، دون عقود مكتوبة أو ضمان اجتماعي أو تأمين صحي، في ظل غياب أي نقابات أو هيئات تدافع عن حقوقهن.
وتُعد هذه البيئة نموذجًا واضحًا لما يُسمّى في علم الاجتماع الاقتصادي بـ"الاقتصاد الجندري"، حيث تُسخّر النساء لأداء أعمال إنتاجية غير مرئية لا تتيح لهن فرصًا حقيقية للترقّي أو المشاركة في صنع القرار.
إنهاك جسدي ونفسي
تُظهر دراسة ميدانية أُجريت في مصانع التعبئة بمدينة كرماشان بشرق كردستان أن العاملات في خطوط الإنتاج السريعة يُعانين من اضطرابات عضلية وهيكلية مزمنة نتيجة ساعات الوقوف الطويلة، وتكرار الحركات، والعمل اليدوي المكثف.
تُشير الدراسة إلى أن غياب العقود الرسمية والتأمين الصحي والرواتب المضمونة يجعل العاملات عرضة للفصل التعسفي ولأزمات معيشية مستمرة.
ويؤدي هذا الإيقاع القاسي للعمل إلى حالة من الإنهاك الجماعي تمتد من الجسد إلى النفس، حيث تعاني العاملات من الإرهاق، والتوتر، واضطرابات النوم، في ظل صمت مؤسساتي يحجب أصواتهن ويُقصي معاناتهن عن الفضاء العام.
عبء على كاهل النساء
لا ينتهي الإنهاك عند أبواب المصانع أو الورش، إذ تتحمّل النساء العاملات أيضًا مسؤوليات منزلية ورعاية الأطفال بعد انتهاء يوم العمل الطويل.
هذا التداخل بين العمل المنزلي والإنتاجي يجعلهن ضحايا لما يسميه الباحثون بـ"العمل الثلاثي"؛ غياب الأمان المهني، وعبء العمل المنزلي، وضغط العمل الإنتاجي.
وفي المناطق الريفية، خصوصًا في مصانع الألبان الصغيرة، تعمل النساء بلا عقود أو إجازات، وسط ظروف معيشية صعبة، حيث يُنظر إلى عملهن كـ"مساعدة أسرية" لا كعمل منتج يستحق الأجر العادل.
ويُبرز هذا الواقع بوضوح أن الاقتصاد الإيراني غير الرسمي يقوم على استغلال مزدوج للنساء: من جهة باعتبارهن قوة عاملة رخيصة، ومن جهة أخرى باعتبار أجسادهن رأسمالاً يُستنزف دون مقابل.
في دراسة بعنوان "تأثير برنامج تمكين على السلوكيات المعززة لصحة العاملات الإيرانيات"، وُثّق أن العاملات في مصانع التعبئة الغذائية يعملن في بيئات عالية الضغط، مع إيقاع إنتاج مكثف وغياب شبه كامل للدعم المؤسسي.
وأشارت الدراسة إلى أن 80% من العاملات يعانين من آلام عضلية وهيكلية ناجمة عن تكرار الحركات والوقوف لفترات طويلة، ما يعكس عمق الأزمة الصحية المرتبطة بالعمل غير الآمن.
إعادة إنتاج السيطرة
يتحوّل العمل النسائي في هذه القطاعات إلى آلية لإعادة إنتاج الهيمنة الاجتماعية والجندرية، إذ تبقى النساء محاصرات في دوائر الفقر والتبعية، محرومات من فرص التعليم أو المشاركة النقابية أو التمثيل السياسي.
تُسهم هذه الدينامية في تثبيت موقع المرأة في الهامش الاقتصادي والاجتماعي، وتجعل من جسدها أداة إنتاج لا تملك حق الراحة أو الاختيار، بل يُعاد تشكيله وفق متطلبات السوق لا وفق حقوق الإنسان.
لا يمكن النظر إلى أوضاع النساء العاملات في الصناعات الصغيرة بإيران كمسألة اقتصادية بحتة، بل كقضية عدالة اجتماعية وجندرية تتطلب إصلاحات هيكلية عاجلة تشمل، سن قوانين عمل تضمن الأجر العادل والعقود الرسمية، وإنشاء آليات رقابية لحماية العاملات من الاستغلال، وإدماج النساء في النقابات والمؤسسات العمالية، وتوفير دعم صحي ونفسي للعاملات في القطاعات غير الرسمية.
ومن دون ذلك، ستظل المرأة الإيرانية في الصناعات الصغيرة أسيرة اقتصادٍ يستنزف جسدها ووقتها دون أن يعترف بكرامتها الإنسانية أو حقها في العدالة المهنية والاجتماعية.










