كارثة صامتة.. نزوح جماعي في الساحل الإفريقي يفاقم المأساة الإنسانية

كارثة صامتة.. نزوح جماعي في الساحل الإفريقي يفاقم المأساة الإنسانية
نزوح جماعي في الساحل الإفريقي - أرشيف

شهدت منطقة الساحل الإفريقي خلال الأيام القليلة الماضية، موجة نزوح جماعي جديدة وصفتها الأمم المتحدة بأنها من "كبرى الكوارث الإنسانية الصامتة" في العالم، إذ اضطر نحو أربعة ملايين شخص إلى مغادرة ديارهم نتيجة تصاعد أعمال العنف وتدهور الأوضاع الأمنية.

وأكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في بيانٍ لها، السبت، أن هذا الرقم يعكس حجم الكارثة التي تضرب دول الساحل منذ سنوات، محذّرة من أن العجز في التمويل الدولي قد يؤدي إلى انهيار خدمات أساسية يعتمد عليها ملايين النازحين للبقاء على قيد الحياة.

وأوضحت المفوضية السامية، أن الدول المتأثرة –ومنها بوركينا فاسو ومالي والنيجر– غير قادرة على مواجهة هذه الموجة من النزوح بمفردها، مطالبة المجتمع الدولي بتقديم دعم عاجل وشامل لمساعدتها على التصدي للتحديات الأمنية والإنسانية المتفاقمة.

وأشار المدير الإقليمي للمفوضية في غرب ووسط إفريقيا إلى أن عدد النازحين في المنطقة ارتفع بنسبة 66% خلال السنوات الخمس الماضية، وهو ما يعكس تدهوراً غير مسبوق في الوضع الأمني والمعيشي، موضحاً أن النساء والأطفال يشكلون قرابة 80% من إجمالي النازحين قسراً.

معاناة داخلية وضغوط

أكدت المفوضية أن نحو 75% من النازحين في منطقة الساحل لا يزالون داخل حدود بلدانهم، لكن وتيرة التنقل عبر الحدود تشهد تصاعداً مقلقاً.

ويُظهر هذا التحرك الجماعي ضغطاً هائلاً على المجتمعات المضيفة التي تعاني بدورها من هشاشة اقتصادية ونقص في المساعدات الغذائية والطبية.

وأشار المسؤول الأممي إلى أن العنف المسلح والانتهاكات المستمرة –ومنها التجنيد القسري والاحتجاز التعسفي– تزيد معاناة النازحين، وتحرمهم من أي أفق واضح للعودة أو الاستقرار.

عقد من الصراع المسلح

تعيش بوركينا فاسو ومالي والنيجر منذ أكثر من عشر سنوات تحت وطأة هجمات الجماعات المتشددة المرتبطة بتنظيمي "القاعدة" و"داعش"، والتي تتنازع السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الريفية.

وأدى هذا التصعيد الأمني إلى مقتل الآلاف وتشريد الملايين، مع انهيار تدريجي للبنى التحتية والخدمات العامة.

وتشير تقارير "هيومن رايتس ووتش" إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان تُرتكب من جميع الأطراف، سواء من قبل الجماعات المسلحة أو القوات النظامية، ما يعمّق أزمة الثقة ويجعل المدنيين العُزّل الضحية الأولى في هذه الحرب الطويلة.

انعكاسات مناخية واقتصادية

فاقم التغير المناخي معاناة السكان في الساحل، إذ تتكرر موجات الجفاف والفيضانات بوتيرة أعلى من أي وقت مضى، ما يؤدي إلى تصاعد التنافس على الموارد الطبيعية المحدودة، وخاصة المياه والمراعي.

وأوضح المدير الإقليمي للمفوضية أن هذه الصدمات المناخية تدفع مزيداً من الأسر إلى النزوح، في ظل تراجع الإنتاج الزراعي وانعدام الأمن الغذائي الذي يهدد أكثر من 45 مليون شخص في المنطقة.

وأشار إلى أن أكثر من 15 ألف مدرسة و900 منشأة صحية أُغلقت منذ بداية العام، ما يترك أجيالاً كاملة دون تعليم أو رعاية طبية.

دعوات لتحرك دولي

دعا المسؤول الأممي المجتمع الدولي إلى تبنّي التزام متجدد تجاه منطقة الساحل، قائلاً إن دول الإقليم لا تستطيع مواجهة هذه التحديات بمفردها في ظل تعدد الأزمات وتشابكها.

وطالب بتعزيز الجهود التنموية إلى جانب المساعدات الإنسانية، مؤكداً أن الحلول المستدامة تتطلب معالجة جذور الأزمة، من فقرٍ وتهميشٍ وبطالة، وليس فقط احتواء نتائجها.

كما حذر من أن استمرار تجاهل هذه الأزمة قد يؤدي إلى انفجار أمني جديد يهدد استقرار غرب إفريقيا بأكمله.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية