احتجاجات الوقود.. آلاف يتظاهرون في الإكوادور ضد رفع الدعم

احتجاجات الوقود.. آلاف يتظاهرون في الإكوادور ضد رفع الدعم
احتجاجات الإكوادور

شهدت العاصمة الإكوادورية كيتو تصاعدًا جديدًا في موجة الغضب الشعبي ضد قرار الحكومة رفع أسعار الوقود، إذ خرج الآلاف من المحتجين إلى الشوارع في مظاهرات تخللتها مواجهات عنيفة مع قوات الأمن، في مشهد يعيد إلى الأذهان أزمات اجتماعية وسياسية مماثلة شهدتها البلاد خلال العقدين الماضيين.

وتجمّع المحتجون في الأحياء الجنوبية للعاصمة يوم الأحد وساروا نحو إحدى الحدائق العامة في شمال المدينة، مرددين هتافات تطالب برحيل الرئيس دانيال نوبوا من بينها "ارحل ارحل يا نوبوا"، في تعبير واضح عن فقدان الثقة بالحكومة.

وأشعل المتظاهرون الإطارات وأغلقوا الطرق، بينما ردت قوات الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود.

وأفادت وسائل إعلام محلية بأن قوات الأمن استخدمت الدراجات النارية للوصول إلى المناطق المكتظة بالمحتجين، وأن الاشتباكات استمرت لساعات، دون تسجيل إصابات خطيرة حتى الآن.

رفع الدعم عن الوقود

بدأت شرارة الاحتجاجات قبل ثلاثة أسابيع بعد إعلان الحكومة إلغاء دعم الوقود الذي استمر لعقود، مما أدى إلى ارتفاع سعر الديزل من 1.80 دولار إلى 2.80 دولار للغالون، أي بزيادة تقارب 55 في المئة.

وقالت الحكومة الإكوادورية إن القرار ضروري لتخفيف العبء على الميزانية العامة، بينما يرى المواطنون، خصوصًا من ذوي الدخل المحدود وسائقي النقل العام، أن الخطوة تهدد سبل معيشتهم وتزيد من أعباء المعيشة المرتفعة أصلًا في بلد يعاني من معدلات تضخم متزايدة.

وتصدرت المنظمة الوطنية للسكان الأصليين في الإكوادور (كوناي) الدعوات إلى الإضرابات العامة والاحتجاجات، مؤكدة أن الحكومة لم تتشاور مع الفئات المتضررة قبل اتخاذ القرار.

وتحظى المنظمة بنفوذ كبير، إذ تمثل عشرات الجماعات العرقية الأصلية التي تشكل نحو سبعة في المئة من سكان الإكوادور البالغ عددهم أكثر من 18 مليون نسمة.

وقال زعيم المنظمة في بيان صحفي إن "رفع الدعم عن الوقود هو إعلان حرب على الفقراء"، مضيفًا أن السكان الأصليين "لن يقبلوا بسياسات تمليها المؤسسات المالية الدولية على حساب الناس".

تصعيد ميداني واعتقالات

أعلنت السلطات فرض حالة الطوارئ في عشر مقاطعات، بما في ذلك العاصمة كيتو، ما يمنح قوات الأمن صلاحيات إضافية لتقييد التجمعات العامة وتنفيذ الاعتقالات.

وأكدت مصادر حقوقية أن أكثر من مئة متظاهر تم توقيفهم خلال الأسبوع الماضي، بينما قُتل مدني واحد وأصيب العشرات في مواجهات متفرقة.

وفي تطور لافت، تعرض موكب الرئيس نوبوا لهجوم بالحجارة الأسبوع الماضي أثناء زيارته لإحدى المقاطعات الشمالية، في مؤشر على تصاعد حدة التوتر الشعبي.

وتزامنت المظاهرات مع يوم التعددية الثقافية والقومية، وهو اليوم الذي استبدلته الإكوادور رسميًا بما كان يُعرف بـ"يوم كولومبوس"، للاعتراف بتاريخ وثقافة السكان الأصليين بدلاً من الاحتفال بوصول المستكشف الإيطالي إلى الأمريكتين.

واعتبر المحتجون أن هذا اليوم يمثل مناسبة رمزية لتجديد مطالب العدالة الاجتماعية والاقتصادية، مؤكدين أن رفع الدعم يضرب الفئات الأكثر هشاشة من أبناء القرى والمجتمعات الجبلية.

الاختبار الأصعب للرئيس

يواجه الرئيس دانيال نوبوا، الذي تولى السلطة أواخر عام 2023، أول اختبار حقيقي لقيادته في ظل تصاعد الغضب الشعبي.

ويحاول نوبوا التوفيق بين التزاماته أمام صندوق النقد الدولي، الذي يطالب بخفض الدعم الحكومي والإصلاحات المالية، وبين الضغوط الداخلية المطالبة بالحفاظ على أسعار الطاقة منخفضة لضمان الاستقرار الاجتماعي.

ويرى مراقبون أن استمرار الاحتجاجات قد يدفع الحكومة إلى تجميد أو تعديل قرار رفع الدعم لتجنب تكرار سيناريوهات اضطرابات عام 2019، عندما أجبرت المظاهرات الرئيس السابق لينين مورينو على التراجع عن خطوة مشابهة.

ردود فعل محلية ودولية

أعربت منظمات حقوق الإنسان المحلية عن قلقها من "الاستخدام المفرط للقوة" من قبل الشرطة، ودعت إلى فتح قنوات حوار عاجلة بين الحكومة والمحتجين.

كما حثت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الحكومة الإكوادورية على احترام الحق في التظاهر السلمي، مؤكدة أن "معالجة أسباب الغضب الاجتماعي تتطلب حلولًا اقتصادية عادلة لا إجراءات أمنية فقط".

وأشارت منظمة العفو الدولية إلى أن رفع الدعم عن الوقود "يؤثر بشكل غير متكافئ على الفئات الأكثر فقرًا"، داعية السلطات إلى مراجعة سياستها بما يراعي البعد الإنساني والاجتماعي.

الاحتجاجات في الإكوادور

تعد الإكوادور من الدول اللاتينية التي اعتمدت على دعم الوقود لعقود طويلة كوسيلة لتثبيت الأسعار وحماية الطبقات المتوسطة والفقيرة، لكن هذا الدعم كان يشكل عبئًا كبيرًا على خزينة الدولة، إذ تجاوزت تكلفته السنوية أربعة مليارات دولار وفق بيانات وزارة المالية لعام 2023.

وخلال السنوات الماضية، تكررت المواجهات بين الحكومات المتعاقبة والسكان الأصليين على خلفية محاولات تقليص هذا الدعم، أبرزها احتجاجات عام 2019 التي استمرت أسبوعين وشلت البلاد بالكامل.

يأتي هذا الغليان الشعبي بينما يواجه الاقتصاد الإكوادوري تباطؤًا في النمو وارتفاعًا في معدلات البطالة التي وصلت إلى نحو 5.5 في المئة، إضافة إلى زيادة التضخم الذي يقترب من 4 في المئة سنويًا.

ويرى اقتصاديون أن أي تراجع حكومي عن رفع الدعم قد يؤدي إلى تفاقم العجز المالي، لكنه في الوقت ذاته قد يخفف من حدة التوتر السياسي ويمنع مزيدًا من العنف في الشوارع.

بلد على مفترق طرق

مع استمرار الاحتجاجات واتساع رقعتها، تجد الإكوادور نفسها أمام مفترق طرق حاسم بين الاستجابة لمطالب الشارع أو التمسك بالإصلاحات الاقتصادية القاسية.

وفي ظل حالة الطوارئ المفروضة، تترقب الأوساط السياسية ما إذا كان الرئيس نوبوا سيستجيب للمطالب الشعبية أم سيواصل رهانه على ضبط الإنفاق العام، في وقت يبدو فيه التوازن بين الاستقرار المالي والاجتماعي مهمة شديدة الصعوبة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية