نساء إيران في مواجهة الركود... بطالة تُقصي نصف المجتمع من الحياة الاقتصادية

نساء إيران في مواجهة الركود... بطالة تُقصي نصف المجتمع من الحياة الاقتصادية
نساء عاملات في إيران - أرشيف

تغيب ملامح العدالة الاقتصادية عن المشهد الإيراني؛ حيث تجد آلاف النساء أنفسهن خارج أسوار العمل بين ليلة وضحاها، نتيجة الركود الحاد، وتراجع الاستثمار، ووطأة العقوبات الدولية. 

وتتضاعف الأزمة بالنسبة للنساء اللواتي يُستبعدن أولاً من دورة الإنتاج، في ظل بنية اقتصادية تعاني من التمييز البنيوي وغياب السياسات الداعمة للمساواة، بحسب بيانات رسمية نشرت، الثلاثاء. 

وفي عمق هذه الأزمة، ترتفع أصوات نساء يواجهن واقعاً يُقصي كفاءتهن، ويحول طموحاتهن إلى معركة من أجل البقاء.

ركود صناعي حاد

تشهد إيران أزمة اقتصادية متفاقمة انعكست بوضوح على سوق العمل، خصوصاً في القطاع الصناعي الذي تضرر بشدة خلال العام الماضي. 

ووفقاً لتقرير مركز الإحصاء الإيراني، فقد أكثر من 176 ألف امرأة وظائفهن في هذا القطاع خلال عام واحد فقط، مقابل 53 ألف رجل، ما يعني أن النساء شكّلن ثلاثة أضعاف عدد الرجال المسرّحين.

يشير الخبراء إلى أن هذه الأرقام ليست مجرد نتائج لأزمة اقتصادية، بل تعكس ضعف السياسات الحكومية تجاه تشغيل النساء، وغياب الخطط لحماية الفئات الأكثر هشاشة أثناء الأزمات.

تمييز وهيمنة ذكورية

أوضح عضو غرفة التجارة والصناعة الإيرانية في تصريح لوسائل الإعلام المحلية، أن القيود المصرفية والعقوبات وتقلبات أسعار الصرف تسببت في أزمة تمويل حادة دفعت الصناعات الصغيرة والمتوسطة إلى تسريح العمال.

وأضاف: "نقص التكنولوجيا وضعف التدريب والسياسات النقدية الانكماشية أدت إلى تراجع الإنتاج وتسريح العمال بدلاً من تحديث المصانع، ما جعل البطالة أزمة اجتماعية وليست اقتصادية فحسب".

هذا التدهور كشف أيضاً الفجوة بين الجنسين في الاستغناء عن العمال، إذ غالباً ما تكون المرأة أول من يُقصى من العمل عند الأزمات، نتيجة النظرة الاجتماعية التقليدية التي تعتبر عملها ثانوياً.

أرقام تكشف عمق الفجوة

أظهر تقرير صيف العام الجاري أن معدل البطالة بين النساء بلغ 15.2%، أي ما يعادل 2.5 ضعف معدل بطالة الرجال الذي لم يتجاوز 5.8%. 

وتبدو الأزمة أكثر حدة بين الفتيات الشابات، حيث بلغت البطالة في الفئة العمرية بين 15 و24 عاماً نحو 31.5%، مقابل 10.6% فقط بين الذكور.

وأكدت فاطمة مقيمي، نائبة رئيس المنظمة الوطنية لريادة الأعمال، في حديثها لصحيفة دنيا اقتصاد: "النساء هن أول من يُستبعد من سوق العمل في أوقات الركود، وفرص حصولهن على وظائف جديدة شبه معدومة، ما يجعلهن أولى ضحايا موجات التسريح".

مشاركة ضعيفة وتهميش

أعلن المركز الإحصائي الإيراني أن معدل مشاركة النساء الاقتصادية لا يتجاوز 13.6%، أي إن 13 امرأة فقط من بين كل 100 في سن العمل يشاركن في النشاط الاقتصادي، مقابل 68% من الرجال.

وتكشف البيانات أن 63% من النساء العاطلات عن العمل هن خريجات جامعيات، مقارنة بـ50% من الرجال، ما يعني أن التعليم لا يمنح المرأة الإيرانية حماية من البطالة، بل كثيراً ما يتحول إلى عبء إضافي في ظل سوق لا يستوعب كفاءتها.

ويرى المحللون أن تراجع مشاركة النساء يعود إلى القوانين المقيدة للنساء المتزوجات، والتمييز في الأجور، والافتقار إلى سياسات واضحة لدعم التوازن بين العمل والأسرة.

انعكاسات اجتماعية خطيرة

تؤكد المنظمات الاقتصادية والحقوقية أن إقصاء النساء من سوق العمل لا يمثل خسارة فردية فحسب، بل هو استنزاف لرأس المال البشري في إيران. 

فبطالة النساء تؤدي إلى اتساع رقعة الفقر، وانخفاض القوة الشرائية للأسر، وزيادة الضغط على صناديق التأمين، كما تدفع العديد من النساء إلى الهجرة الداخلية أو الخارجية بحثاً عن فرص أفضل.

ويرى الخبراء أن استمرار تجاهل الأزمة من شأنه أن يخلق خللاً اجتماعياً عميقاً، ويزيد هشاشة الطبقة الوسطى، ويقوّض قدرة الاقتصاد على التعافي.

دعوات لإصلاح عاجل

يحذر الاقتصاديون من أن تفاقم البطالة النسائية في القطاع الصناعي مؤشر على أزمة هيكلية وثقافية تحتاج إلى معالجة شاملة. 

ويوصي الخبراء بـ تمويل الصناعات الصغيرة، وتوفير قروض ميسرة للنساء، وتدريبهن على المهارات الإنتاجية، إلى جانب إصلاح القوانين التمييزية التي تحدّ من وصولهن إلى العمل والمناصب الإدارية.

فإذا لم تتحرك الحكومة سريعاً، يحذر المراقبون من أن البلاد ستواجه خطر استبعاد نصف المجتمع من الدورة الإنتاجية، وهو ما يعني إضعاف التنمية الوطنية، واستمرار معاناة النساء اللواتي يواجهن التمييز والبطالة بصمت.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية