تصاعد جرائم قتل النساء في العراق ومطالبات حقوقية بقوانين رادعة

تصاعد جرائم قتل النساء في العراق ومطالبات حقوقية بقوانين رادعة
مظاهرة نسوية في العراق

أشعلت حادثة مقتل الحقوقية والناشطة همسة جاسم مؤخراً في مدينة الكوت غضباً واسعاً في الشارع العراقي، وأعادت إلى الواجهة ملف العنف ضد النساء في البلاد، وهي ليست الجريمة الأولى التي تطول ناشطات ومدافعات عن حقوق الإنسان.

تأتي هذه الجريمة في سياق تصاعدي يعكس عمق الأزمة الاجتماعية والقانونية التي تعيشها المرأة العراقية، في ظل غياب التشريعات الحامية واستمرار ثقافة العنف والإفلات من العقاب، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الأربعاء.

وأكدت ناشطات نسويات أن ما يحدث اليوم ليس حوادث فردية، بل نتيجة تراكمات طويلة من الإهمال التشريعي والتقاعس المؤسسي عن وضع آليات حماية فعالة، ما جعل المرأة العراقية أكثر عرضة للعنف والقتل، خاصة من داخل محيطها الأسري أو العشائري.

قانون غائب وعدالة مؤجلة

أوضحت الناشطة نضال توما، أن تصاعد جرائم قتل النساء يرتبط ارتباطاً وثيقاً بـ"غياب قانون مناهضة العنف الأسري"، مؤكدة أن البرلمان العراقي تجاهل تشريعه لسنوات طويلة، خضوعاً لضغوط حزبية وأجندات سياسية.

وقالت توما: "ظاهرة قتل النساء في العراق تتخذ منحى خطيراً ومتسارعاً، وكان من الممكن الحد منها لو أُقِر قانون يمنع الإفلات من العقاب"، مشيرة إلى أن المنظمات المدنية طالبت مراراً بتشريع هذا القانون دون جدوى.

وأضافت أن مقتل الناشطة همسة جاسم كشف عن ضعف في التعامل الأمني والرسمي مع هذه القضايا، إذ لم يصدر أي تعليق رسمي في البداية، قبل أن يعلن وزير الداخلية لاحقاً تشكيل لجنة تحقيقية، في خطوة اعتبرتها شكلية قائلة: "غالباً ما تُعد هذه التقارير مسبقاً بما يتوافق مع إرادة الجهات الرسمية".

ورأت أن المجتمع المدني لم يتقاعس عن دعم المرأة، لكن غياب القرار السياسي والضغوط المستمرة على المنظمات الحقوقية النسوية حدّ من قدرتها على التأثير، رغم ما تقوم به من حملات توعية وتثقيف، على غرار جهود "رابطة المرأة العراقية".

وانتقدت توما استمرار اعتماد الحكومة على قوانين قديمة مثل قانون العقوبات والخدمة المدنية، فضلاً عن تمرير تعديلات "قانون الأحوال الجعفري" الذي أضعف دور القضاء، وفتح الباب أمام المرجعيات العشائرية التي باتت تتحكم بمصير النساء تحت ذرائع "الشرف" و"العار".

عقلية تعيد إنتاج العنف

من جهتها، أوضحت الناشطة الإعلامية رفاه علي أن العنف ضد النساء في العراق نتاج مباشر للعقلية الذكورية والعشائرية التي تكرّس التمييز وتبرر القتل.

وقالت إن المجتمع العراقي ما زال يعيش وفق منظومة "الهيمنة الذكورية"، حيث تُعامل النساء كملكية عائلية أو عشائرية، مؤكدة أن هذا النمط الاجتماعي يعيد إنتاج العنف بشكل متكرر، سواء في المنازل أو في المجال العام.

وأكدت رفاه علي أن حماية المرأة تبدأ بالوعي القانوني، مشددة على ضرورة تفعيل الإجراءات القضائية في قضايا العنف، ومحاسبة الجناة دون مجاملة أو تسويات عشائرية.

ودعت إلى تمكين المنظمات الحقوقية من التواصل المباشر مع الجهات الحكومية والأمنية وشيوخ العشائر، بما يسمح لها بتوثيق الانتهاكات ومتابعتها ميدانياً.

وأشارت إلى أن المنظمات النسوية تواجه قيوداً قانونية وإدارية كبيرة تحد من فاعليتها، ما يتطلب إصلاحاً عاجلاً للإطار القانوني يمنحها صلاحيات أوسع للتدخل وحماية النساء المهددات.

الإفلات من العقاب

في السياق ذاته، أكدت الناشطة سهيلة عبد الحسين أن ما يجري في العراق اليوم هو "نتيجة مباشرة للإفلات من العقاب"، موضحة أن استمرار التقاليد العشائرية وتبرير العنف تحت مسميات مثل "غسل العار" أسهم في تحويل القتل إلى سلوك اجتماعي مقبول.

وقالت عبد الحسين إن غياب الردع القضائي وضعف تطبيق القوانين شجعا الجناة على تكرار جرائمهم، مشددة على أن الخطاب الذكوري في المجتمع يمنح الرجال سلطة اجتماعية تعزز العنف ضد النساء.

وطالبت بتشريع عاجل لقانون مناهضة العنف الأسري يتضمن آليات فعالة للتبليغ والإيواء والمساءلة القضائية، مع تعزيز دور الشرطة والقضاء في منع التسويات العشائرية التي تنهي القضايا على حساب الضحايا.

ودعت عبد الحسين إلى إنشاء مراكز إيواء آمنة للنساء المهددات بالقتل، وإطلاق برامج توعوية حول حقوق المرأة والمساواة، إضافة إلى تدريب القضاة وعناصر الأمن على التعامل الإنساني مع قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي.

دور المجتمع المدني

سلطت عبد الحسين الضوء على دور المنظمات الحقوقية في دعم الضحايا وتوثيق الجرائم وإيصالها إلى الرأي العام، مشيرة إلى أن هذه المنظمات تعمل رغم ضغوط وتهديدات متزايدة، خاصة في المناطق الريفية حيث الأعراف العشائرية أقوى من القانون.

وأشارت إلى أن نقص التمويل وضعف الدعم الحكومي وغياب قاعدة بيانات رسمية حول جرائم قتل النساء، تعيق عمل هذه المنظمات، وتجعل تتبع الحالات مسألة بالغة الصعوبة.

وأكدت أن المناصرة والتأثير في السياسات العامة هي مفتاح التغيير الحقيقي، داعية البرلمان والحكومة إلى تحمل مسؤوليتهما التشريعية والأخلاقية تجاه نساء العراق.

صرخة من أجل الحياة

تعكس جريمة مقتل همسة جاسم مأساة متكررة في العراق، حيث تُقتل النساء باسم الشرف أو تُسكت أصواتهن تحت عباءة الأعراف.

وفي غياب القوانين الرادعة وغياب الإرادة السياسية، تتحول هذه الجرائم إلى ظاهرة مجتمعية خطيرة تهدد السلم الأهلي وحقوق الإنسان.

ويجمع الحقوقيون على أن إنقاذ المرأة العراقية يبدأ بتشريع واضح، وعدالة نزيهة، ومجتمع يرفض الصمت، لأن الصمت، في هذه الحالة، ليس حياداً.. بل مشاركة في الجريمة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية