دعاة السلام في سردينيا.. صراع بين اقتصاد الحرب وحق الإنسان في السلام

دعاة السلام في سردينيا.. صراع بين اقتصاد الحرب وحق الإنسان في السلام
وقفة سلمية في سردينيا - أرشيف

تتصاعد في جزيرة سردينيا الإيطالية معركة غير متكافئة بين دعاة السلام والمجتمع المحلي من جهة، وشركات تصنيع الأسلحة الأوروبية من جهة أخرى، في مشهد يعيد طرح سؤال جوهري حول ثمن الأمن العسكري وحق الإنسان في السلام والبيئة الآمنة.

واجهت شركة RWM Italia، الفرع المحلي لشركة راينميتال الألمانية، مقاومة سياسية وشعبية واسعة إثر خططها لتوسيع مصنعها للمتفجرات في دوموسنوفاس، فبينما تسعى أوروبا لتعزيز إنتاج الذخيرة استجابة للحرب في أوكرانيا، اختارت سردينيا أن تتريث، وأن تضع أمام طموحات التسلّح ميزانًا أخلاقيًا وبيئيًا لم يسبق أن اهتزّ بهذا القدر منذ عقود، بحسب ما أوردته صحيفة "فايننشال تايمز".

تحولت قضية المصنع إلى محور نقاش وطني بعد أن رفض المجلس الإقليمي لسردينيا، الذي تقوده حركة النجوم الخمس، التصديق على التوسّع، مطالبًا بمزيد من الدراسات البيئية والشفافية، وأثار القرار غضب الداعمين للصناعات الدفاعية الذين رأوا في الموقف المحلي عرقلة "بيروقراطية" لمشاريع تُدر وظائف واستثمارات جديدة.

لكنّ سكان الجزيرة يرون المسألة بصورة أخرى، فقد أصبح المصنع رمزًا لما يسمّونه "استعمارًا صامتًا"، حيث تُستغل الأراضي المحلية لإنتاج أسلحة تُستخدم في نزاعات بعيدة عن حدودهم.

وتطرح تصريحات رئيسة الإقليم، أليساندرا تود، السؤال الأعمق: "هل نريد أن نكون في اقتصاد حرب؟".

توسعة خطوط الإنتاج

احتشدت حركات السلام والجمعيات البيئية أمام بوابات المصنع للمطالبة بوقف توسعة خطوط الإنتاج، كما نقلت صحيفة "أونيوني ساردَا" الإيطالية، الصادرة بالإنجليزية، ورفع المتظاهرون لافتات تُدين الاتفاقيات الموقّعة بين الشركة الألمانية وشركات إسرائيلية لإنتاج طائرات من دون طيار، معتبرين أن هذه الشراكات تجعل من سردينيا "طرفًا صامتًا" في نزاعات تمتد من فلسطين إلى اليمن وأوكرانيا.

ويطالب المحتجون بتعليق كل التصاريح البيئية الإيجابية إلى حين مراجعة الأنشطة الصناعية للمصنع، مؤكدين أن الدفاع عن الحق في السلام لا يقل أهمية عن الدفاع عن الأمن العسكري.

فبحسب المنظمين، "لا يمكن استخدام الحرب وسيلة لحل الخلافات بين الدول، ولا أن تُبنى تنمية محلية على حساب حياة الآخرين".

توجه نحو صناعة الأسلحة

تعمل شركة راينميتال في سردينيا منذ عام 2010، حين اشترت مصنعًا قديماً وأعادت توجيه إنتاجه نحو صناعة الأسلحة، ومنذ ذلك الحين أصبحت مشاريع التوسعة تواجه دوائر معقدة من الطعون القضائية، كان آخرها في عام 2021 عندما طالبت المحكمة الإدارية بتقرير جديد لتقييم الأثر البيئي.

ورغم موافقة فنية أولية في أبريل الماضي، ما زالت سلطات الإقليم تطلب مراجعات إضافية، الأمر الذي أوقف العمل فعليًا.

ويرى محللون أن القضية لم تعد محصورة في الجدل البيئي أو الاقتصادي، بل أصبحت اختبارًا لمدى قدرة المجتمعات المحلية على مقاومة التحولات الكبرى في بنية الصناعة الدفاعية الأوروبية، ففي الوقت الذي تدعو فيه الحكومات إلى "الاستقلال الاستراتيجي"، ترفع سردينيا شعارًا معاكسًا: الحق في بيئة آمنة لا يقل أهمية عن الحق في الأمن القومي.

وعود اقتصادية

بحسب وكالة الأنباء الإيطالية "نوفا"، أعلنت راينميتال مؤخرًا عن تسريع إنتاج الذخائر والرؤوس الحربية في موقعي موساي ودوموسنوفاس، بعد إدخال خطوط تجميع جديدة للطائرات المقاتلة من دون طيار.

وتؤكد الشركة أن التوسع "ليس بدافع الربح فقط، بل لضمان تلبية احتياجات الدفاع الأوروبي في أوقات أقصر وبكلفة أقل"، لكن هذه الوعود لا تقنع المجتمع المحلي الذي يواجه البطالة المزمنة في سردينيا، إذ يرى النشطاء أن الوظائف التي تُبنى على صناعة الحرب ليست تنمية مستدامة بل “استثمارًا في الخطر”.

لخص أحد أبرز الناشطين، أرنالدو سكاربا، الموقف بقوله: "لسنا بحاجة إلى شركة متعددة الجنسيات تأتي لتنتج القنابل في أرضنا".

سردينيا بين الحرب والسلام

في النهاية، تتجاوز هذه المواجهة المحلية حدود الجزيرة الصغيرة، لتصبح جزءًا من نقاش أوروبي أوسع حول أخلاقيات التصنيع الدفاعي وموقع الإنسان في معادلة الأمن، فبينما تتحدث الحكومات عن إعادة التسلّح، يتحدث المواطنون عن الحق في الحياة والبيئة والكرامة.

وفي هذه المسافة بين المصنع والميدان، تقف سردينيا اليوم شاهدًا على انقسام أوروبا بين "حسابات الحرب" و"الدعوة إلى السلام".

 




ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية