الحقوقي حكيم الكعبي لـ"جسور بوست": إيران تقود حرباً ثقافية ضد الأحوازيين

رئيس "المنظمة الأحوازية": اللغة العربية أصبحت جريمة ونعاني الإعدامات والتهجير

الحقوقي حكيم الكعبي لـ"جسور بوست": إيران تقود حرباً ثقافية ضد الأحوازيين
حكيم الكعبي

في ظل المعاناة المستمرة للشعب الأحوازي تحت حكم النظام الإيراني، تبرز قضية حقوق الإنسان في الأحواز كواحدة من أكثر القضايا المظلومة على الساحة الإقليمية والدولية. 

ويتعرض الأحوازيون، منذ سنوات طويلة، لانتهاكات ممنهجة تشمل الاعتقالات التعسفية، والإعدامات السياسية، والتمييز الثقافي واللغوي. هذه الانتهاكات لا تقتصر على الجانب السياسي فقط، بل تمتد إلى التدمير البيئي والتهميش الاقتصادي الممنهج، مما يضع الشعب الأحوازي في دائرة الفقر والعزلة.

وفي حوار مع “جسور بوست”، يكشف رئيس المنظمة الأحوازية للدفاع عن حقوق الإنسان حكيم الكعبي، عن الأبعاد العميقة لهذه الأزمة، مشيرًا إلى أن الأحوازيين يعيشون تحت وطأة نظام لا يتوانى عن استخدام كل الأساليب لإضعافهم، بدءًا من التهميش الاقتصادي في مناطقهم الغنية بالموارد، وصولًا إلى محاولات محو هويتهم العربية عبر سياسة فرض اللغة الفارسية.

كما يسلط الكعبي الضوء على الأمل الذي لا يزال في قلب الشعب الأحوازي، ويؤكد أن النضال من أجل حقوقهم ليس فقط مسألة سياسية بل هو معركة مستمرة من أجل العدالة والحرية في وجه نظام يحاول محوهم من التاريخ.

وإلى نص الحوار:-

ما تقييمك لحالة حقوق الإنسان في إيران بشكل عام؟

حالة حقوق الإنسان في إيران متدهورة جدًا، وازدادت سوءًا بعد حرب الاثني عشر يومًا، النظام الإيراني يمارس قمعًا شاملًا ضد النشطاء السياسيين والمثقفين والمعارضين، ويستخدم الاعتقالات التعسفية بتهمة «التجسس لصالح العدو»، بينما حرية التعبير تكاد تكون معدومة.. الإعدامات السياسية الجماعية، مثل تلك التي حدثت مؤخرًا في الأحواز، أصبحت أداة لترهيب المجتمع.

وفقًا لتقاريرنا في المنظمة الأحوازية للدفاع عن حقوق الإنسان، تم توثيق حالات اعتقال وتعذيب لعدد من النشطاء الأحوازيين، مثل الأسير يوسف سواري، ومحمد علي عموري، ومجيد هاشمي، فقط لأنهم مارسوا نشاطًا ثقافيًا ومدنيًا.

الأمم المتحدة بدورها أكدت أن إيران نفذت أكثر من ألف إعدام خلال الأشهر الأولى من عام 2025، ما يجعلها الدولة الثانية عالميًا بعد الصين في عدد الإعدامات، وهو دليل على أن الانتهاكات جزء من سياسة ممنهجة وليست أحداثًا فردية.

 ما أبرز الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الأحوازي من قبل النظام الإيراني؟

الانتهاكات في الأحواز متعددة وممنهجة، ومنها التهميش الاقتصادي، فالنظام يحرم الأحوازيين من فرص العمل في القطاعات الحيوية كالبترول والغاز، رغم أن الموارد تُستخرج من أرضهم، فالمشاريع الكبرى تُقام لخدمة مناطق إيرانية أخرى، بينما يُترك السكان المحليون في فقر وتلوث.

وهناك أيضا التدمير البيئي المتعمد وبناء السدود وتحويل مجاري الأنهار إلى مدن إيرانية وتجفيف الأهوار الذي أدى إلى تهجير آلاف الأسر الأحوازية من قراها.. وقد وثقنا في تقريرنا «التدمير البيئي في الأحواز» هذه السياسات كأداة ضغط ممنهجة لإضعاف السكان.

ولدينا أيضا الاضطهاد السياسي، والاعتقالات المتكررة والإعدامات بحق ناشطين، أبرزها إعدام ستة شبان أحوازيين في أكتوبر 2025 في سجن سبيدار بالأحواز، وفق تقارير حقوقية متعددة.

ولا يمكن إغفال الطمس الثقافي واللغوي، فالسلطات تفرض اللغة الفارسية في التعليم والإدارة وتمنع استخدام العربية حتى في المراحل الابتدائية، وهذا أدى إلى ارتفاع الأمية بين العرب الأحوازيين وصعوبة حصولهم على رخص العمل أو القيادة لعدم إتقانهم الفارسية، ما ينعكس سلبًا على أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.

كيف تنعكس هذه الانتهاكات على الفئات الهشة من النساء والأطفال وذوي الإعاقة؟

النساء والأطفال وذوو الإعاقة هم الأكثر تضررًا من السياسات التمييزية، والنساء الأحوازيات يواجهن تهميشًا مضاعفًا، إذ تفتقر القرى إلى مدارس للبنات، ما يدفع كثيرات إلى ترك التعليم بعد المرحلة الابتدائية، والانخراط في العمل القسري أو الزواج المبكر، في ظل قوانين إيرانية تسمح بزواج القاصرات.

أما الأطفال فيعانون غياب التعليم باللغة العربية ونقص المدارس المناسبة ثقافيًا، ما يضعف تحصيلهم العلمي ويزيد من ظاهرة عمالة الأطفال في المناطق الفقيرة، وذوو الإعاقة يعانون غياب البنية التحتية والخدمات الداعمة، ويُستبعدون من برامج التنمية، وهذا التهميش البنيوي يجعل الأحوازيين، وبالأخص الفئات الضعيفة منهم، مواطنين من الدرجة الثانية.

كيف يتعامل النظام الإيراني مع اللغة العربية في الأحواز؟

اللغة العربية تُعامَل كتهديد للهوية الرسمية للدولة. النظام يمنع تدريسها كلغة تعليمية، ويسمح فقط بتلاوة نصوص دينية بالعربية في المدارس، الهدف واضح هو إضعاف التواصل اللغوي والرمزي بين الجيل الجديد وتاريخه العربي، هذه السياسة هي جوهر ما نسميه الإبادة الثقافية البطيئة.

وكيف تقاومون محاولات الإذابة الثقافية لمحو القضية الأحوازية؟

نواجه محاولات المحو بوسائل سلمية وواعية، منها التوثيق عبر نشر التقارير الحقوقية، وتسجيل الشهادات، وتوثيق الاعتقالات والانتهاكات، وهو ما تقوم به المنظمة الأحوازية للدفاع عن حقوق الإنسان بشكل مستمر.

وكذلك عبر التعليم والثقافة وتنظيم دروس في اللغة العربية في الأماكن الدينية في الداخل، وتشجيع الفن والموسيقى والموروث الشعبي العربي كوسائل للحفاظ على الهوية.

ونحن أيضا نوظف المناسبات الدينية العربية المسموح بها لتثبيت حضور اللغة والثقافة في الوعي الجمعي. والإعلام الحر عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام وتيك توك لنشر الوعي، خارج رقابة الدولة. والتعاون الدولي بالتنسيق مع منظمات حقوق الإنسان ونشطاء عرب ودوليين لتوسيع دائرة التضامن.

كما أننا نعمل على توثيق الهوية القبلية عبر الروابط العائلية والعشائرية في الأحواز والتي تؤدي دورًا كبيرًا في حماية الثقافة العربية من الذوبان.

كيف يمكن للجاليات الأحوازية في الخارج أن تسهم في تسليط الضوء على هذه الانتهاكات؟

دور الجاليات أساسي في نقل صوت الداخل، عبر توثيق الانتهاكات وتقديمها للمنظمات الدولية والإعلام، وتنظيم حملات ضغط على البرلمانات والحكومات الغربية لاستصدار مواقف رسمية ضد سياسات طهران، وإقامة ندوات ومعارض توعوية في الجامعات والمؤسسات الحقوقية. وتقديم الدعم القانوني والإنساني لعائلات المعتقلين والضحايا، وبناء شبكات إعلامية دولية لتغطية ما يُحجب عن الداخل

وكيف يمكن للمنظمات الحقوقية العالمية دعم هذه التحركات الشعبية؟

يكون ذلك من خلال إدراج ملفات الأحواز في التقارير السنوية والموضوعية، والضغط على الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان لتشكيل بعثات تحقيق خاصة بالأحواز، وتوفير حماية قانونية ودبلوماسية للنشطاء الأحوازيين المهددين، ودعم مشروعات الترجمة والتوثيق لضمان وصول الحقيقة بلغات متعددة.

هل الظرف الدولي والإقليمي يسمح باستقلال دولة الأحواز؟

الظرف الحالي لا يتيح استقلالًا فعليًا، لكن الشعب الأحوازي يحتفظ بحقه في تقرير مصيره، فالرغبة الشعبية في التحرر قائمة، إلا أن تحقيقها يعتمد على توازنات سياسية وإقليمية معقدة، تحتاج إلى دعم دولي واستراتيجية مدروسة.

أي السيناريوهين أفضل.. الانفصال الكامل أم الحكم الذاتي؟

القرار يجب أن يكون بيد الشعب الأحوازي عبر استفتاء حر تحت إشراف دولي مستقل، وسواء كان الهدف حكمًا ذاتيًا موسّعًا أو استقلالًا كاملًا، فإن المعيار هو ضمان كرامة الإنسان الأحوازي وحقه في إدارة موارده وثقافته، وتحرير الأحواز لن يخدم الأحوازيين فقط، بل سيعزز الاستقرار في المنطقة بأكملها.

في حرب الاثني عشر يومًا مع إسرائيل.. كيف تفسر الالتفاف الشعبي حول مؤسسات الدولة الإيرانية رغم القمع؟

لم يكن التفافًا حقيقيًا بقدر ما كان سلوكًا اضطراريًا، الشعوب داخل إيران، ومنها الأحوازيون، تدرك أن الحروب الخارجية غالبًا تقوي النظام بدل أن تضعفه، بعد الحرب، نفذ النظام حملات اعتقال وإعدامات جماعية، ما أثبت أن الحديث عن «التفاف شعبي» كان وهمًا مؤقتًا.

وبعض الإيرانيين تحركهم دوافع دينية وطائفية في لحظات الخطر، لكن ذلك لا يعني دعمًا حقيقيًا للنظام. هو فقط تكتيك نجاة في وجه سلطة قمعية.

هل ترى إمكانية لتغيير في سياسات إيران تجاه الأحواز مستقبلاً؟

لا توجد مؤشرات حقيقية على تغيير قريب، فالنظام يرى في الهوية الأحوازية تهديدًا مباشرًا لفكرة "الدولة الفارسية"، لكن إذا استمر الحراك الشعبي الأحوازي وتزايد الضغط الحقوقي والدولي فقد يُفرض على طهران في النهاية مراجعة سياساتها، خصوصًا في مجالات التعليم، واللغة، وتوزيع الثروات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية