في أسبوع جنيف للسلام
في أسبوع جنيف للسلام
لا شك أن خلق منصات للحوار وتبادل وجهات النظر حول رؤى صناعة السلام يمثل فرصة حقيقية لابتكار سياسات فعّالة لحل النزاعات والأزمات الحالية في عالمنا، من خلال القراءة في أسبابها المعقدة وتحليلها وبيان مدى تشابكها وارتباطها، والبحث في جذور تلك النزاعات والصراعات، وتحديد النقاط والأسس التي ينبغي الانطلاق منها في وضع الحلول وصناعة السلام العالمي.
وربما من بين تلك المنصات المهمة التي تركز على قضية السلام العالمي: أسبوع جنيف للسلام الذي عُقدت دورته الثانية عشرة في الفترة من 13 إلى 17 أكتوبر، بالشراكة بين مؤسسة منصة جنيف للسلام ووزارة الخارجية السويسرية ومكتب الأمم المتحدة في جنيف، وبمشاركة دولية واسعة من مختلف المنظمات المهتمة بقضايا السلام.
المتابع للدورات الإحدى عشرة السابقة من منتدى جنيف للسلام يلحظ مدى أهمية القضايا التي تناقشها الجلسات والورش التي تُنظَّم خلاله، وربما تكتسب المناقشات في الأسبوع قيمة مضافة عن أي حدث آخر، إذ تُطرح الأزمة والرؤية تجاهها، ويتم البحث في أسبابها وصولًا إلى طرح رؤى قد تسهم في الحل وتساعد على تجاوز النزاع أو الأزمة.
أسهمت الدورات السابقة في طرح قضايا مهمة وشائكة، مثل إدارة المياه عبر الحدود بوصفها أداة للسلام، وكيف يمكن أن تسهم الموارد المشتركة في منع الصراعات أو تحويل التوتر إلى تعاون، وكذلك مناهضة الإفلات من العقاب في الجرائم التي تستهدف الصحفيين، ومكافحة الفساد في قطاعي الدفاع والأمن، وتغيّر المناخ، وغيرها من القضايا التي أسهمت النقاشات حولها في تقديم رؤى ذات قيمة.
وفي هذا العام، ركّزت المناقشات على قضايا متعددة ذات أهمية بالغة، ربما يستحق كل منها حدثًا دوليًا منفصلًا، منها: النزاعات المسلحة وحماية المدنيين، والعمل الإنساني، والتعليم من أجل السلام، وحقوق الأقليات والهويات المتقاطعة، وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والإدماج، والأمن الإنساني.
جميع تلك القضايا نوقشت في أسبوع جنيف للسلام، وكانت محلًّا للنقاش من قبل الباحثين والخبراء الذين شاركوا في الجلسات والورش النقاشية، وقد نتج عنها أفكار ورؤى ستكون ملهمة لصنّاع القرار والمؤسسات والهيئات الدولية في التعامل مع تلك القضايا.
وبالمصادفة، بينما كان الوسطاء يمضون قدمًا في تطبيق وقف إطلاق النار في غزة، كان خبراء ومسؤولون دوليون سابقون يناقشون التجارب السابقة للوساطة في محادثات السلام، وكيف تتفاعل المفاوضات السياسية مع مناقشات وقف إطلاق النار، مركزين على مصطلح "مساحة فرصة وقف إطلاق النار"، وهي المصلحة المشتركة بين الأطراف المتحاربة للمضي قدمًا في المناقشات السياسية، حتى عندما لا يرغبون في إنهاء القتال.
بالقطع، نحن في منطقتنا بحاجة إلى التفاعل مع مثل هذه المناقشات التي يعتقد البعض أنها قد تكون غير مؤثرة في قضايانا، لكن على العكس تمامًا، نحتاج دائمًا إلى النظر إليها باهتمام، ووضعها أمام متخذي القرار، وإتاحة الفرصة للباحثين والخبراء في مجتمعاتنا للتداخل مع تلك النقاشات والإسهام فيها.
كما أنه من الضروري الاستفادة من نتائج المناقشات التي جرت في جنيف في أسبوعها للسلام، ولا سيما أنها من المعتاد أن تُرفع إلى المؤسسات الدولية لاستغلال أي فرصة لتحويل النقاشات النظرية إلى خطوات عملية ملموسة على أرض الواقع.











